ما إن هدأت الرياح، حتى عاد النسيم يرتّب الأوراق الساقطة.
على نفسه ينحني وينحني الصفصاف الباكي.
هكذا، منذ الصباح وهذا الدوري يهزّ غصن النارنج.
الزقزقة ملء الفضاء ولا تزال نائمة مدام فراشة.
كيلا يتعثروا، يمشي العميان وعيونهم معلّقة على السماء.
ومن خلف قناع الليل، راحت النجوم تتساقط كثيرة لا تُحصى كحبات المطر. وكان كل شيء من حولي يصدح بأنغام سماوية.
سِيْرَا ـــ «أُوركيدة جوَّالة» (زيت على قماش، 2021).
كانت النجومُ تأكلُ النجومَ، وكان القمرُ كومةً من جليدْ. كان السوادُ لوناً.
كانتا برّيتين تحبسان الضوء، وكان يحدث أن تشرق منهما شمسان.
أحياناً، وقد أوغل الليلُ، ثمّة كلماتٌ تولدُ في الصمت، ولا أعود وحدي.
لقد كان ذلك آخر عهدنا بالهذيان. ثمة سماوات أخرى بشموس لا تشرق فحسب، بل تحرق، وأقمار أقلّ بلاهة.
وهي تنتظر غيمةً أخرى، تملأ السماءُ الفضاء كلّه.
وهذه السحابة التائهة بين وادٍ وجبلين، لها من الذكريات أكثر ممّا لي.
على الشباك يسيل النهارُ بليداً كاللعاب.
في تلك اللحظة، كنتُ جرحَ الأرض وكان نزيفي مواسمْ.
في تلك اللحظة، كانت حصّتي على جبيني، وكانت مني العافية.
قد أدير ظهري للضحك، وقد أديره للطعنات، لكن يحدث أن أدير ظهري، ومن فوق كتفي، أرمي عظمةً تكفي كل كلاب القبيلة.
لا بأس من حين إلى آخر أن يكتب الهايكو بلغة شعرية: بين رشقتين من مطر تشتعل صغيرات الحصى تحت شمسٍ مائلة.
كنتُ لأشربَ من حليب هذه الأرض لولا أنني آثرتُ أن أذيب عسل عينيّ في ملوحة الزّبَد.
من وحي الحرب: للأمانة، زائرتي هذا المساء قذيفة/ لم يبقَ إلا القليل حتى يسقط حقلُ القمح/ في منظار القناص تطير فراشةٌ معادية/ بوشاحها الأسود وباقة أعواد الريحان يلفّها الشفق لفّاً/ في ساقه الخشبية دقّ مسماراً وعلّق أوسمته جندي شاب/ بشاربيه يصنع الصرصار علامة النصر V
مهلاً مهلاً، لو كان لي جناحان لطرتُ أيضاً يا آنسة فراشة.
هذا الصباح أيضاً، يشتدّ خوفي أن أغادر هذا العالم، نفسه.
ما إن هدأت الرياح، حتى عاد النسيم يرتّب الأوراق الساقطة.
على نفسه ينحني وينحني الصفصاف الباكي.
هكذا، منذ الصباح وهذا الدوري يهزّ غصن النارنج.
الزقزقة ملء الفضاء ولا تزال نائمة مدام فراشة.
* مصياف/ سوريا