المُهم، أصدرت محكمة جنايات بيروت، برئاسة القاضي طارق بيطار وعضويّة المستشارين ميراي ملاك وفاطمة ماجد، حكماً بإعدام طارق يتيم، وبإلزامه تسديد مبلغ 450 مليون ليرة لبنانيّة بدل «عطل وضرر» إلى الجهة المدّعية. ماذا لو لم يُسدّد المبلغ، أيُعدَم مرتين؟ دار صراع بين وكيل يتيم ووكيل الريف، على مدى أكثر مِن عامين، لتحديد «نيّة المُتّهم». هل كان يُريد القتل فعلاً أم مجرّد الضرب المبرح؟ محامي يتيم، أنطوان طوبيا، كان يجزم أنّ موكله «لم يتعمّد القتل». لهذا كان يُطالب بتطبيق المادة 550 مِن قانون العقوبات (التي تكتفي بالسجن إلى سبع سنوات – أو مادة أخرى ترفع مدّة السجن إنّما ليس إلى المؤبّد أو الإعدام). وكيل الريف، المحامي زياد بيطار، كان يُصرّ مِن جهته على أنّ يتيم «تعمّد القتل». لهذا طالب مراراً بتطبيق المادة 449 مِن القانون المذكور (أي الإعدام). كان له ما أراد. هذا ما رأته هيئة المحكمة، إنّما مِن غير إجماع بين أعضائها، إذ خالفت المستشارة ملاك رأي رئيس الهيئة والمستشارة الأخرى، مؤيّدة منح يتيم «الأسباب التخفيفيّة». خسرت ديمقراطيّاً. القرار للأكثريّة: رأيان في مقابل رأي.
لم تنته القضيّة بعد إذ
سيعمد وكيل يتيم إلى الطعن أمام محكمة التمييز
وكيل يتيم، المحامي طوبيّا، قال في اتصال مع «الأخبار» إن هذا «حكم غير عادل. حكم مسخ. أنا لم ولن أنسى تدخّل وزير العدل في هذه القضيّة علناً، أمام وسائل الإعلام، وقد ظلّت التدخلات مستمرة. أحترم القضاء والقضاة الذين حكموا، لكن مشكلتي ليست معهم، بل مع مبدأ التدخل والضغط. مَن يتحمّل أن يُخالف رغبة وزير العدل؟». وأضاف: «جاء الحكم كما هو لإرضاء شريحة مِن الرأي العام أيضاً. نيّة القتل لم تكن متوفّرة، رغم أنّ موكلي لم يكن بكامل قواه الذهنيّة، وكان قيد العلاج النفسي، فضلاً عن أنّ الريف وزوجته همّا مَن بادرا إلى الاعتداء عليه. لا أقول إنّ موكلي لم يرتكب جرماً، إنّما لم يتعمّد القتل، وبالتالي الإعدام ظالم بحقّه». لم تنته القضيّة بعد، إذ ستكون هناك جولة محاكمات لاحقة، وذلك بعد الطعن بالحكم أمام محكمة التمييز. هذا ما يعد به المحامي الوكيل.
مِن جهتها، زفّت زوجة الراحل جورج الريف، رلى، الحكم الصادر «إلى كلّ بيت لبناني». رأت فيه «انتصاراً». لا شيء سيُعيد زوجها إلى عائلته، هي تعلم هذا، إذ أنّ «الغالي راح»... لكن أملها أن يكون الحكم «مانعاً لجرائم أخرى». هناك مَن لامها، شخصيّاً، على «توريط زوجها في المشكلة مع يتيم» (كما قال المحامي الخصم في مرافعته). قطعاً، هذا يؤلمها. تقول: «لم يكن أمام المحامي الخاسر إلا أن يقول ذلك، أن يتهمني، ولكن لم يكن أحد مكاني ليعرف ما حصل، فضلاً عن أنني كنت، بحكم عملي قبل الحادثة، أعيش قلق التهديد بشكل دائم».
في إحدى جلسات المحاكمة، قبل نحو 5 أشهر، قال المحامي بيطار للقاضي، بحضور يتيم، إنّ هذا المُتّهم: «قتل كلّ الناس، هو مَن جعل الجريمة تحدث كلّ يوم في لبنان». الآن صدر حكم إعدام بحقّه. سواء نُفّذ أم لم يُنفّذ، فإنّ المُدان، في مطلق الأحوال، سيقضي مديداً خلف القضبان. لنأمل أن تصحّ «نظريّة» بيطار، إذ ينتهي «الشرّ» بانتهاء شخص، وبالتالي سنكتشف الآن «المدينة الفاضلة». يعرف المحامي، وكلّ الناس، أنّ الجريمة باقية ما بقي البشر. وحدها الأسماء تتغيّر. أمّا كثرتها أو قلّتها، مِن حيث الأسباب، فذلك بحثه في مكان آخر تماماً. في الاجتماع والاقتصاد والسياسة والأمن (إلخ). تحديدها، على نحو الحصر، مسألة معقّدة جدّاً، بتعقيد النفس البشريّة ذاتها، وهي دائماً محل أخذ وردّ. إنّما يُمكن، براحة ضمير، الجزم بأنّها لا تنتهي عند حكم... بإعدام.