عموماً، طالما أنّ قاضي التحقيق لم يمنع المحاكمة عن الحاج، وأحالها بجناية (معطوفة) على المحكمة العسكريّة، فلِمَ أخلى سبيلها الآن، والحديث هنا عن قضيّة أثارت الرأي العام ومسّت، بلا شك، بما يُسمّى «هيبة الدولة»؟ جواب القاضي: «هذه مساحة خاصّة للقاضي، لتقديره، والتقدير كان أن مدّة توقيفها، وسائر المعطيات، كافيّة للموافقة على إخلاء السبيل». هذه مساحة خاصّة للقاضي، والقاضي حرّ، طبعاً، ومَن لا يُعجبه ذلك فهو... حرّ أيضاً.
قضاؤنا «بجنّن» و«بعقّد» وليخرس كلّ مَن يقول غير ذلك... وليخسأ الخاسئون
ألم يجد القاضي، ومِن قبله مفوّض الحكومة، أي الجهة المدّعية، أيّ عنوان آخر في قضيّة الحاج سوى مادّة «الافتراء»؟ هكذا يعني، الحاج كأي مواطن «عادي» افترى على مواطن آخر، في قضيّة سرقة «علبة فول» مثلاً، أو، بحسب تهكّم قاضٍ سابق: «كأنّ أحدهم افترى على جاره برمي سطل ماء عليه»! الحاج مواطنة عاديّة؟ أليست موظفّة حكوميّة، كانت في منصب حسّاس، أمنيّاً وقوميّاً واستراتيجيّاً وما شاكل! لِمَ غيّبت المادة 376 التي تتحدّث عن عقوبة «كلّ موظف أقدم، بقصد جلب المنفعة له أو لغيره أو بقصد الإضرار بالغير...»؟ ربّما هذا لن يزيد في العقوبة، إنّما، أقلّه، لتذكير سائر الموظّفين، الأمنيين تحديداً، أنّ القانون لا يسمح لهم أن يعبثوا بحيوات الناس. مجرّد تذكير! المواد التي تتحدّث عن الموظفين، وعن مضاعفة العقوبة لهم عند الإخلال بعملهم، كثيرة في القانون. تحصل هذه الخفّة في أكثر القضايا حساسيّة في بلادنا، أي العمالة للعدو الإسرائيلي، ثم يُصاغ المشهد في النهاية على أنّه مجرّد «افتراء»... بل مجرّد «تدخّل». إنّ لم تكن مثل هذه القضايا تُعتبر مسّاً بالأمن القومي، المنصوص عنه في القانون، فمتى يكون ذاك المسّ؟
كلّ ما سلف هو في القانون. محض القانون. أمّا مَن يتحدّث عن قضاء مُسيّس، معاذ الله، فيجب على القضاء أن يضربه بيد مِن حديد، أو أن يقول له أقلّه: «يا عيب الشوم عليك». أساساً، مَن يجرؤ على التشكيك بعد أن قال لنا القاضي، بحزم وجزم وقطع، وبثقة أيضاً: «لم يحصل معي أيّ تدخّل سياسي»! القضاء في بلادنا رائع، في أعدل مستوياته، طبعاً. قضاؤنا «بجنّن» و«بعقّد» وليخرس كلّ مَن يقول غير ذلك... وليخسأ الخاسئون.