ما صوّرته الدولة على أنه إنجاز ساهم في تخفيف العبء عن المواطن، هو «نكتة» غير مفهومة. بعد أن سبق لوزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال رائد خوري أن «علّى الدوز» أمام الناس وحاول أداء دور المخلّص، خفضه مرغماً، وبدا الموقف محرجاً. حددت الوزارة خطواتها في هذا الصدد من دون اطلاع منها على حقيقة ما يجري في الأحياء. الاحتكار موجود، أصحاب المولدات الذين يضغطون على الناس ويسعّرون «كيلوواطاتهم» كما يحلو لهم موجودون، إلا أن المنافسة موجودة أيضاً. بعد أكثر من عشر سنوات من التفلّت وهيمنة أصحاب المولدات على الأحياء، لم تلتفت الجهات الرسمية إلى ما تفرضه المنافسة من محاولات ومساعٍ على أصحاب العمل. في كل حيّ ما لا يقلّ عن مولّدين أو ثلاثة. يحاول كل صاحب مولد استقطاب أكبر عدد ممكن من المشتركين، فيلجأون إلى التنافس في تسعيرة الكيلوواط الواحد، وخفضها إلى أقل مبلغ يظل قادراً على العودة بالربح عليهم.
بعض «منتجي الكهرباء» يعرضون على المشتركين تقديم الطاقة لمصاعد المباني مجاناً
بطبيعة الحال، لا يمكن مطالبة أصحاب المولدات أو مخاطبتهم على أنهم مؤسسة كهرباء لبنان التي تحدد سعر الكيلوواط (المدعوم) على أساس خمسة شطور (إذ يراوح سعر الكيلوواط بين 35 و200 ليرة بحسب كمية الاستهلاك)، والتي تتقاضى ما هو أدنى من كلفة الإنتاج. العدادات تشكل مشكلة أيضاً، في منطقة لا تؤمن لها مؤسسة كهرباء لبنان ما يزيد على 15 ساعة من التيار يومياً في أحسن الأحوال، تقابلها 9 ساعات (على الأقل) مستمدة من المولدات.
تبقى تسعيرة الكيلوواط المقدّمة من مؤسسة كهرباء لبنان منخفضة مقارنة بتسعيرة المولدات الجديدة، ما يعني أن المواطن الذي كان يعمد إلى تشغيل كلّ ما يزيد من كلفة فاتورة الكهرباء في منزله خلال ساعات اشتراك المولد، سيكون مجبراً على تشغيل أدواته الكهربائية ضمن ساعات التغذية التي تقدّمها الدولة. فقط لأن تسعيرة الدولة أقلّ. على هذا الأساس، سينخفض استهلاك المواطنين للتيار خلال ساعات الاشتراك، لينحصر بالإضاءة والحاجات الأساسية الكهربائية البسيطة، ما يفرض ارتفاعاً في عجز «كهرباء لبنان»، وزيادة لساعات التقنين، وارتفاعاً، على المدى البعيد، للضرائب على المواطن. هكذا نتنقّل بين المشاكل، من واحدة إلى أخرى، نتيجة عجز الدولة، وسوء تدخّلها بلا أي دراسة أو تخطيط.