بعد هذا القرار، تحررت الإدارات من موجب التخطيط المسبق لإجراء المناقصات، الذي يساهم نظرياً في ضبط الهدر، وفُتح الباب لتلجأ إلى إجراء أي مناقصة ساعة تشاء. وبالفعل، بقي الأمر على حاله، حتى العام الحالي، حيث أقرت موازنة عام 2018 في نيسان الماضي. عندها وجدت إدارة المناقصات أنه صار بالإمكان العودة إلى تطبيق القانون، وإعداد برنامج سنوي للمناقصات (لم تلجأ إلى هذا الخيار في عام 2017، لأن الموازنة أقرت في نهاية العام).
ولأن إعداد البرنامج السنوي العام من قبل إدارة المناقصات يتطلب من كل إدارة أن تضع برنامجها الخاص الذي يتضمن موعد إجراء كل مناقصة (المادة الرابعة من نظام المناقصات)، فقد عمدت «المناقصات»، في شهر أيار، إلى الطلب من الإدارات الحكومية وضع برنامجها، كما كان يجري قبل التوقف عن إقرار الموازنات. وعلى الأثر، نشرت إدارة المناقصات، عملاً بنظام المناقصات، البرنامج السنوي العام الأول في خمس صحف يومية (19 تموز 2018). هذا البرنامج ليس نهائياً، فبحسب المادة الخامسة من النظام، يجب على كل إدارة إعادة النظر في الجزء الخاص بها وإبلاغ إدارة المناقصات بأي تعديلات تقترحها، بعد أن تكون الموازنة قد صُدّقت، وبعد التأكد من حجز الاعتمادات للمناقصات المقترحة أو لتعديل مواعيد المناقصات المتضاربة. وبالفعل، فقد نشرت إدارة المناقصات البرنامج السنوي لعام 2018 - 2019 معدلاً وشاملاً مناقصات كل الوزارات مع كل التعديلات (الجريدة الرسمية في 27/9/2018).
عودة الموازنة أعادت «البرنامج السنوي للمناقصات»: صارت الوزارات ملزمة بالتخطيط
ولأن الفوضى تحولت إلى عادة على مدى أكثر من عشر سنوات، كان متوقعاً أن يُواجه هذا البرنامج عقبات تتعلق بعدم التزام بعض الوزارات بالبرنامج السنوي، وهو ما حصل فعلاً مع ثلاث وزارات حتى الآن، تحفّظت إدارة المناقصات عن ذكر اسمها، لكن مصادرها أكدت أن اثنتين منها أرسلتا كتاباً إلى الإدارة تطلب فيهما إجراء مناقصة غير مدرجة في البرنامج الذي أعدته بنفسها، فيما ذهبت الثالثة إلى حد الاكتفاء بالإشارة إلى عدد المناقصات التي تنوي إجراءها من دون تحديد تواريخها، فلم تسجّل في البرنامج.
بالنسبة إلى إدارة المناقصات، الحل واضح. فالمادة الخامسة من نظام المناقصات تنص على أنه «لا يجوز مخالفة قواعد إجراء المناقصات (البرنامج السنوي) إلا إذا أقر مجلس الوزراء ذلك» (حتى تقريب موعد مناقصة يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء). لكن مع ذلك، علمت «الأخبار» أن ثمة سعياً للاكتفاء بموافقة الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بحجة تفويض رئيس مجلس الوزراء بعض صلاحياته له. إلا أن هذا المقترح تعيبه ثغرتان، الأولى تتعلق بكون التفويض محصوراً بعقد نفقات صغيرة وبإعطاء الإجازات الإدارية لعدد من الإدارات التابعة لرئيس مجلس الوزراء، أما الثغرة الثانية، فتتعلق بإشارة القانون بوضوح إلى أن صلاحية مخالفة قواعد المناقصات محصورة بمجلس الوزراء وليس برئيس مجلس الوزراء، وصلاحيات المجلس لا تفوّض بحسب الدستور.
لا حل دستورياً لهذه الإشكالية التي يمكن أن تتكرر بحجة تسيير المرفق العام، بحسب الخبير الدستوري عصام إسماعيل، إلا انتظار تأليف الحكومة. لكن مع ذلك، فهو يشير إلى حل ملزم إدارياً، منطلق من التعميم الصادر عن الرئيس سعد الحريري في حزيران الماضي، والذي يتعلق بتصريف الأعمال. في التعميم فقرة اعتمدت للمرة الأولى في عام 2013 من قبل الرئيس نجيب ميقاتي واعتبرها «تكتل التغيير» حينها «هرطقة دستورية»، تشير إلى أنه «في حال اعتبار أن ثمة قراراً إدارياً يدخل في نطاق الأعمال التصرفية التي تقتضي الضرورة اتخاذه في خلال تصريف الأعمال إيداع مشروع القرار رئاسة مجلس الوزراء للاستحصال بشأنه على الموافقة الاستثنائية لفخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء». وهذا الحل، بالرغم من كونه يفتح الباب أمام إمكانية إيجاد مخارج تتخطى تصريف الأعمال، إلا أن الثغرة الكبيرة فيه، بحسب إسماعيل، تتمثل في كونه ببساطة مخالفاً للدستور، «لأن لا صلاحية دستورية بدون نص، والنص الدستوري لم يشر إلى إمكان تفويض صلاحية الحكومة إلى أي كان، بمن فيهم رئيسا الجمهورية والحكومة».