هل سيقبل الاشتراكيون «نقد جنبلاط الذاتي» واعتذاره ــ إن حصل ــ بصدر رحب؟ ألن يعتبره البعض تنازلاً أو إحراجاً؟ «نحن في الأساس طوينا صفحة الحرب وأي خطوة تصب في هذا الاطار تلاقي استحساناً لدى الجميع»، يقول مفوض الاعلام في الحزب الاشتراكي رامي الريّس لـ«الأخبار». ويضيف: «خطاب المصالحة هو خطابنا الأساسي، ونرفض كل ما يناقضه، لأننا حريصون على تكريس السلم الأهلي بمعزل عن تباينات يمكن أن تطرأ في المواقف السياسية اليومية وبعض التجاذبات». لكن أليست المصالحة شيئاً واعتذار زعيم الحزب الاشتراكي عن الحرب شيء آخر؟ «الحرب حرب، ولو لم يكن كل طرف لديه إيمان بقضية معينة لما وقعت أي حرب. من المفيد التطلع إلى المستقبل عوضاً عن نبش صفحات الماضية. فالحرب التي وقعت كانت خسارة للجميع ونشبت بسبب ظروف إقليمية ودولية معينة. لذلك آن الأوان لطيّها والتطلع قدُماً. أما المصالحة، فنعتبرها أهم الانجازات بعد الطائف، وأي خطوة تصبّ في هذا الاتجاه مرحّب بها. جمهورنا يساندنا في هذا الموضوع، والدليل أن الكل ينزعج عند صدور أي كلام يمس بالمصالحة أو يقلل من أهميتها».
الريس: «طوينا صفحة الحرب وأي خطوة تصبّ في هذا الإطار تلاقي استحساناً لدينا»
عرّاب المبادرة، هو وزير المهجرين غسان عطالله الذي طرح الفكرة على جنبلاط في اجتماع جمعهما منذ نحو شهر. الوزير الذي ينتمي الى بلدة هُجّر كل أبنائها في الحرب، يضع حالياً هدفاً له هو إقفال ملف المهجرين. ومبادرته تجاه جنبلاط تتم بالتنسيق بين رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر والحزب الاشتراكي بغياب القوات والكتائب. ويستحيل فصل ما يجري عن التقارب بين التيار والاشتراكي الذي بدأ قبيل تشكيل الحكومة غداة وضع جنبلاط الوزير الدرزي الثالث بتصرف رئيس الجمهورية لا رئيس الحكومة، فيما يذهب اليوم البيك الى تحصين الجبل ضد أي مشكلة، كي يزيل العصي من طريق ابنه تيمور. ففعلياً، التوتر الذي يصيب الجبل حالياً ليس بين الجنبلاطيين والقوات ولا الكتائب، بل هو عوني ـــ اشتراكي. لذلك سحبُ فتيل الشارع عن طريق «الاعتراف والاعتذار»، يهدف إلى تقوية أعمدة الزعامة الجنبلاطية في لحظة ضعف سياسي تعيشه المختارة، وأمر واقع فرضته عودة التيار سياسياً الى الشوف وعاليه. للمفارقة هنا، كاد القداس يلغى يوم أول من أمس بعد إصرار جنبلاط على إضافة اسمه في بطاقة الدعوة التي أعدّتها وزارة المهجرين، ورفض التيار هذه الاضافة التي ترجمت على أنها «عرقلة» وتجاوز للبروتوكول الذي ينص على عدم إيراد أي اسم تحت اسم رئيس الجمهورية الذي يرعى هذا القداس. لكن اتصالات يوم أمس أدت الى تسوية قضت بإضافة جملة في أسفل البطاقة تذكر إلقاء جنبلاط كلمة بعد القداس.
النقاش في التفاصيل لم يكن سهلاً، تشير مصادر مواكبة لها، بل أخذ كل تفصيل ما لا يقل عن 5 أيام لبلوغ نهايته السعيدة. أول هذه التفاصيل تمثل بعنوان القداس «التوبة والمغفرة»، لتنتقل بعدها الى مكان إقامته الذي حدّده عطالله في دير سيدة التلة في دير القمر لما تحمله المنطقة من رمزية. فأهل دير القمر لم يتهجّروا في الحرب، وشكلت ملجأً للمسيحيين المهجرين من مناطقهم. التفصيل الثالث تمحور حول حضور رئيس الجمهورية شخصياً والبطريرك بشارة الراعي، إذ اعتذر الأخيران عن عدم المشاركة. الراعي كونه زار الشوف أكثر من مرة للغرض نفسه، ورئيس الجمهورية لأنه يصدف أنه يسافر الى موسكو في اليوم التالي، فتم الاتفاق على تمثيله من قبل وزير الخارجية حبران باسيل. أما المشكلة الرابعة، فكانت بمعارضة حضور النائب طلال أرسلان قبل أن يقبل الاشتراكي بالأمر، لا سيما أنه لا يمكن فتح صفحة جديدة مسيحية درزية وخلق مشكلة في موازاتها درزية درزية.