وهنا يبرز التناقض مع قوى سياسية على علاقة جيدة بالسعودية، ومنها القوات اللبنانية، تعطي انطباعاً إيجابياً عن نظرة المملكة الحالية للبنان واستقرار الوضع فيه وعدم الذهاب الى مشكلة سياسية بتوتير الحكومة أو دفعها الى الاستقالة. وهي تخالف معلومات سياسية عن أن الرياض تستعدّ لمواجهة في لبنان، ولا تضغط على الحريري. بل تجزم بأنها تعطيه تطمينات وتقدم له تسهيلات لتمتين موقعه، ومنها تشجيع السياح السعوديين على العودة الى لبنان، وهي متفهمة لظروف الداخل والاستقرار المنشود سياسياً كمقدمة لتفعيل اقتصادي مطلوب حالياً، ولا مصلحة للسعودية بالضغط عليه لأنه سيمسّ الاستقرار المالي، وهذا يعني لبنان ككل، وليس حزب الله وحده.
بقدر تمسكه بالحكومة، بات الحريري أسير رهان سعودي متجدد عليه
لكن العبرة بين الرؤيتين لموقف السعودية تكمن في مكان آخر، في دور حزب الله في تصفير المشاكل واستجلاب الجميع الى ملعب التهدئة وسحبهم الى منطقة اللاتوتر. يعرف حزب الله ما تريده السعودية وواشنطن، وهو في المقابل يسعى الى استيعاب المشكلات، حتى لو خاض مواجهة بعنوان كبير مع الفساد التي لا يريد التراجع عنها. لكنه يعرف كيف يمكن أن يوقف اندفاعته ومتى، حين يتحقق الهدف منها سياسياً ولو لم يترجم ذلك على الورق. وهذا تماماً ما حصل.
يدرك الحزب حاجة الحريري الى الحكومة، فيعطيه كل الأسباب التخفيفية ويعبد الطريق أمامه، كي يبقيه فيها، ما يجعله قادراً على مواجهة السعودية. وتبعاً لذلك، لا يضيره، وهو الذي يضمن موقف العهد في كل شاردة وواردة، أن يعطيه نجاحات محدودة بالزمان والمكان، طالما أن خيوط اللعبة في يديه. وسيظل يعطيه من التطمينات الكثير، وخصوصاً في مرحلة شد الكباش الإيراني ــــ الأميركي السعودي، ولا سيما أنه يدرك أن الحريري لا يريد تلبية الشروط السعودية من دون مقابل، وفي الانتظار، يسهل له طريق الكسب السياسي وتبعاته، من دون أن يدفع من جيبه. وهذا يريحه حالياً، بدل الدخول في توتر لا فائدة منه، وخصوصاً أن الحزب بقراره سحب أي فتيل تفجير داخلي، حالياً، استدرج قوى سياسية الى مربعه، بما في ذلك أكثر حلفاء السعودية تماهياً معها. ليس هيّناً أن تقف القوات اللبنانية موقف تهدئة مع حزب الله، في ملف الفساد وغيره، وتعتبر أن ضرورات التهدئة وتفعيل الحياة السياسية والاقتصادية تتطلب تنسيقاً حكومياً في ملفات داخلية، والتنسيق مع وزراء الحزب في وزاراتهم، بما في ذلك وزارة الصحة، تاركة أمر سياسة الحزب الإقليمية الى حين تستشفّ منه ضرورة الوقوف في وجهه. وهذه السياسة بدأت مع حكومة العهد الأولى وتُستكمل في الحكومة الثانية، وتبررها القوات بأنها ضرورة لتحقيق الاستقرار الداخلي. وينتقدها بسبب ذلك أكثر المتشددين معارضة للحزب، الذين يرون أن خطوات الحزب المدروسة، غير المجانية، بدأت تؤتي ثمارها، لأنه بدأ يقبض ثمنها داخلياً من شركاء التسوية، لأن سياسة الاستيعاب باتت أقل كلفة له من المواجهة.