ليس الحريري لا «حبة» ولا «حبتين»، لكنه ظن أنه بكلمتين يمكنه أن يبرئ نفسه من الانهيار الحاصل. وانطلاقاً من أنه «يجب أن نكون صادقين مع الناس»، افترض أنهم سيصدقونه عندما يقول إن «الخلل الأساسي في ما هو حاصل اليوم أن الدولة لم تنجز الإصلاحات التي كان يجب أن تقوم بها». هكذا ببساطة، ليست السياسات التي اعتمدها هو وقبله والده، وليس الفساد الذي تكرّس على يد والده واستمر بعده، وليس تحكّم طبقة المصارف ومن يمثّلها في السلطة بالاقتصاد والدولة، هي المسؤولة عن الانهيار، بل عدم تطبيق الاصلاحات. أما النكتة الفعلية، فاستنتاج لا يرقى إلى الشك: «لولا أن البعض يريد أن يحارب الحريرية السياسية، لما كنا وصلنا إلى هنا اليوم. فمن حارب الحريرية السياسية هو من أوصل البلد إلى ما نحن عليه اليوم، وفهمكم كفاية».
كلام الحريري جاء في دردشة مع الإعلاميين عقب الاجتماع المالي الذي ترأسه في منزله بحضور وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وقد كان اللقاء، بحسب الحريري، تقييمياً للوضع المالي والمصرفي في لبنان. ورداً على سؤال حول إمكانية استبدال سندات اليوروبوند أو إعادة جدولة الدين، قال «الآن ستكون هناك حكومة جديدة ستتعامل مع هذا الموضوع بما ترتئيه مناسبا». وإذا كان الحريري رمى كرة النار المالية إلى الحكومة المقبلة، فهو لم يفعل الأمر نفسه في قطاع الخلوي الذي تخلّف وزير الاتصالات عن استرداده، قبل أن يتبين استباقه تشكيل الحكومة لتهريب التجديد لشركتي الخلوي لثلاثة أشهر إضافية.
لم تشكّل الحكومة أمس، كما كان متوقعاً. لكن التأخير، لم يُضعف التفاؤل بتأليف قريب. بعد زيارة الرئيس المكلف إلى عين التينة، كان منتظراً أن يكمل طريقه إلى قصر بعبدا، لكنه لم يفعل. سرعان ما تبيّن أن التأخير مرتبط بالسعي إلى حل عقد محدودة طرأت أخيراً. عُقد غير جوهرية تتعلق ببعض الحقائب. أما الأساسيات فظل الاتفاق عليها منجزاً. حكومة تكنوقراط مؤلفة من 18 وزيراً، لا ثلث معطل لأحد فيها. أما العقد، فقد اعتبرها مصدر معني مساعي اللحظات الأخيرة لتحصيل مكاسب إضافية. وتركزت هذه العقبات في مطالبة النائب طلال ارسلان بحقيبة ثانية، وباعتراض كاثوليكي على حصول الطائفة على مقعد واحد، وبمطالبة الحزب القومي بمقعد حكومي...
تمثيل الدروز والكاثوليك و«القومي» يؤخر التشكيل
لكن في المقابل، ثمة من يجزم أن هذه العقد سرعان ما ستجد طريقها إلى الحل، خاصة أن العقد الكبرى قد حلّت، ولاسيما مطالبة الوزير جبران باسيل بالثلث المعطل. وبعد أن كان باسيل متمسكاً بالحصول على 6 وزراء مع وزير سابع من حصة الطاشناق، عاد ووافق على اقتصار حصته على 5 وزراء من بينهم وزير للطاشناق. وهذه الموافقة هي التي فتحت باب التفاؤل، كما يفترض أن تنهي اعتراض سليمان فرنجية الذي طالب بحقيبتين في حال حصول التيار الوطني الحر على ستة مقاعد.
وعليه، فإن الحصة المسيحية يفترض ان تكون على الشكل التالي: 4 وزراء للتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية (الخارجية والدفاع والطاقة والبيئة) وحقيبة للطاشناق، حقيبة للمردة (الأشغال العامة)، وثلاث حقائب من حصة الرئيس المكلّف.
وفيما كان اتفق على حصول حزب الله على حقيبتي الصحة والصناعة، وحصول «أمل» على المالية والزراعة، عاد حزب الله ووافق على التخلي عن حقيبة الصناعة لصالح ارسلان، الذي طالب بها، مقابل حصول الحزب على الشؤون الاجتماعية. لكن، مع ذلك فإن ارسلان ظل مصراً على الحصول على حقيبة ثانية، إلا أن الأمر لم يحل بعد. وفيما تجزم مصادر بأن التأليف عاد إلى النقطة صفر، لافتة إلى أن غالبية القوى السياسية عادت لتعدّل في أسماء مرشحيها الوزاريين، أكّدت مصادر معنية أن المفاوضات الجارية ستفضي إلى تأليف حكومة قريباً.