تزويد المعامل، ولا سيما دير عمار والزهراني، بالمازوت، سيعني حكماً حرمان المولدات الخاصة منه. لكن إن كان الخيار بين تشغيل المولدات الخاصة ومعامل الكهرباء، فإن الأولوية تكون حكماً للمعامل. مصادر تقنية لا توافق على تفضيل المعامل على المولدات، انطلاقاً من أن إطفاء المعامل أوفر على الدولة، ما دام التأثير على المواطن سيكون نفسه. لا تراعي وجهة النظر هذه الارتفاع الكبير في تسعيرة الكهرباء لدى المولدات. السعر ارتفع من 330 ليرة في أيار إلى 498 ليرة في حزيران. بعض المولّدات سعّر فواتيره على أساس 548 ليرة للكيلو واط، ولم تصل يد «حماية المستهلك» إليه بعد.
تناقص متواصل في ساعات التغذية بالتيار، ولا حلول قبل عشرة أيام
باختصار، كل الخيارات سيئة، وحتى أفضلها قد لا يضمن تزويد معملي الزهراني ودير عمار بالمحروقات لأكثر من أربعة أيام. من أوصل الأمور إلى هذا المستوى؟ المسؤول عن تأمين المحروقات للمعامل هو وزارة الطاقة، عبر منشآت النفط. والمنشآت تؤمن أيضاً قرابة 40 في المئة من حاجة السوق للمازوت. سوء التصرف في التعامل مع «سوناطراك» بعد شحنة الفيول المغشوش، أسهم في توتر العلاقة التعاقدية معها. اعتبرت أن لبنان ألحق ضرراً بالغاً بسمعتها، بالرغم من أنها لم تخالف موجبات العقد. بداية أبلغت لبنان رغبتها في عدم تجديد العقد، ثم لاحقاً عمدت إلى تأخير الشحنات. مشكلة لبنان أنه لم يتعامل مع ملف المحروقات بوصفه ملفاً استراتيجياً لا يمكن الاستخفاف بنتائجه. بين إهمال وزارة الطاقة والارتباك الذي رافق قضية «سوناطراك» وتأخر مصرف لبنان في فتح الاعتمادات وتَشدّد المصارف الأجنبية في التعامل مع المصارف اللبنانية، ازداد انقطاع الكهرباء، والمولّدات الخاصة اضطرت إلى التقنين بسبب نقص المازوت. لكن أكثر المتضررين من تراكم الأزمات، وفي مقدمتها انهيار سعر الصرف، وانفجارها دفعة واحدة، كان وسيبقى الناس، الذين تحوّل قطع الطرقات إلى سبيلهم الوحيد للتعبير عن مآسيهم المتلاحقة.