أُجبر علي، ابن الهرمل وسكان الضاحية الجنوبية، على العودة إلى لبنان «قبل سنتين تقريباً، مع المبعدين سياسياً من دولة الإمارات، بعدما كان حاله ميسوراً، وجد نفسه بلا شيء ولا تعويض، خسر ما جناه، وتعرّض لاحتيال من قبل شخص حاول التشارك معه في العمل»، كما يقول أحد أقربائه لـ«الأخبار». ويضيف: «ترك ابنتين راشدتين، يعيش معهما في منزل مستأجر في منطقة المريجة، ويعمل في محلّ لبيع المواد الغذائيّة والحبوب والزيوت، لكنّ راتبه لم يكن كافياً». قريبه الآخر يشير إلى «أن الجوع ليس سبب انتحار علي، لكنّها تراكمات وضغوط اجتماعيّة، ومرض عضال علم بإصابته به وأثّر عليه». هذه روايات أقارب له، بعيدون عن مكان سكنه، ولا يعلمون تفاصيل «قد لا نعرفها». أحدهم رآه قبل يومين، «لكنّه كتومٌ ولم يبح بشيء». أحد أشقّائه الذي حضر إلى مكان الحادثة لاصطحاب الجثمان، ردّد، وفق شهود عيان، أنّ «شقيقي اتّصل بي وأوصاني بعائلته من دون أن أفهم السبب». هكذا انتظر جثمان علي أن تقبل المستشفيات الخاصة بنقله إليها، وأن تنهي الأدلّة الجنائيّة بحثها عن «أدلّة»… فيما أفعال الدولة والحكومة وجمعيّة المصارف وحزب المصارف والصيارفة ومصاصي دماء الشعب، واضحة، بأدلّة دامغة لا لُبس فيها.
يعمل في محلّ لبيع المواد الغذائيّة والحبوب والزيوت، لكنّ راتبه لم يكن كافياً
اكتفى علي بأن يؤكّد أنه ليس بكافرٍ، تاركاً لتأويلاتِنا أن تزيد ما تريد، ولكلمات أغنية زياد الرحباني أن تشرح أن الكفَرة هم الجوع والذلّ وعدم القدرة على الهجرة وجشع الرأسماليّين وتجّار الدين، وكلّ «الإشيا الكافرين» التي تُمعن المنظومة في غرسها في قلب الشعب. توافد العشرات فقط، من الغاضبين مما جرى، بشكل عفويّ. أرادوا أن يهزّوا السُبات وضمير المسؤولين، لكنّ معظمهم غادر مخذولاً لأن حادثة علي لم تتحوّل إلى واقعة بو عزيزي جديدة. هتفَ الغاضبون ضدّ النظام، أضاؤوا الشموع ووضعوا الورود في الموقع، ودوّنوا أسماء شهداء المنظومة، والعبارة نفسها التي اختارها علي تأويلاً أخيراً لرحيله.