لن يأتي الحريري إلى الخارجية متفلّتاً من أيّ غطاء سياسي تحكمه التوازنات التي ستأتي به رئيساً
والتجاهل اللبناني عمداً أو إهمالاً، لا يمكن تبريره في مرحلة يحتاج فيها لبنان الى كل أنواع الإحاطة الخارجية للمساعدة على إنقاذه، وخصوصاً أن أي حادثة لم تسجل رسمياً على مستوى العلاقات بين لبنان والدول المعنية. وإذا كان أداء أي دولة دبلوماسياً يعكس تبدّلاً ما، فإن السلطات الرسمية الأولى، وليس الدبلوماسية فحسب، يفترض أن تبادر الى الاستيضاح لتصحيح أي خلل وإعادة الأمور الى نصابها. وهذا ما لم يحصل. إلا في حال كان لبنان يعوّل على أن الإدارة الأميركية الديموقراطية الجديدة ستكون هي مفتاح حلحلة الأزمات مع دول الخليج.وفيما يشكل التعامل السعودي والخليجي عموماً مع تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، مظهراً من مظاهر الانزعاج الواضح من أدائه وأداء السلطات اللبنانية عموماً، فإن المنحى الجديد يشكل خطوة متقدمة، وخصوصاً في ظل تصاعد العقوبات الأميركية التي لا يبدو أنها ستتوقف على شخصيات لبنانية، وتحذيرات واشنطن المتكررة حيال شكل الحكومة. ولعل أداء الدبلوماسية والسلطة اللبنانية المتجاهل لحجم هذه الخطوات وانعكاساتها من شأنه أن يزيد من حدتها، وأن يضاعف كذلك الثقل على الرئيس المكلف. فحصول الحريري على الخارجية من ضمن سلة تفاهمات متكاملة لتوزع الحصص، وإطلالته سياسياً على دول العالم من خلالها في هذه المرحلة التي تحفل بشتى أنواع التوترات الدولية والإقليمية، لن يتحقق بلا مقابل، بل بأثمان داخلية لها وزنها. ووضع يد تيار «المستقبل» على الخارجية ليس بالسهولة التي يتصورها في إحكامه القبضة على كل مفاصلها الداخلية والخارجية بعد كل التغييرات التي لحقت بها. وفي حين يحتاج الى تغطية سياسية واسعة كي يستعيد «الوجه العربي» للدبلوماسية التي يريدها، فإن من المبكر إبداء أي تفاؤل بقدرته على تحقيق ذلك. إذ لن يقدر على تأليف حكومته إلا في إطار صفقة متكاملة مع العهد وحزب الله، وهذا تماماً لا يزال يشكل عنصر الأزمة الأساسية بينه وبين الدول الخليجية التي لن تقدم درهماً واحدا له ولهذا الشكل من الحكومات التي تعترض عليها. ولأنه أيضاً لن يأتي الى الخارجية متفلتاً من أي غطاء سياسي تحكمه التوازنات التي ستأتي به رئيساً، وتالياً ستتحكم بالسياسة الإقليمية والدولية للبنان، وبهذا المعنى لن يكون طليق اليدين في إعادة تصويب بوصلة السياسة الخارجية الى اتجاهات أخرى. هذا إذا افترضنا أنه يريد ذلك.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا