الانهيار الاقتصادي - المالي، وأزمة تشكيل حكومة، لا يُلغيان أيضاً أولوية حلّ موضوع السياسة الخارجية. لا بل على العكس، تُعدّ المسألة الأخيرة في صلب التطورات في لبنان. فغياب دبلوماسية حقيقية وسياسة واضحة، يُعمّق من الفجوة اللبنانية، ويُثبّت واقع أنّ البلد حارة مفتوحة لشتّى أنواع التدخلات الخارجية، في وقت أنّ معظم الأزمات «حلّها خارجي أكثر ممّا هو داخلي، وتحديداً في الملفّ الاقتصادي»، بحسب المسؤول في «الخارجية». حلّت اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية الخليجية - «الإسرائيلية»، لتفرض تحدياً أساسياً أمام الخارجية اللبنانية (كسياسة وليس كجهاز)، ليس فقط بسبب خطورة الموضوع الجيو-سياسي، بل لوجود جاليات لبنانية كبيرة في تلك الدول، سيُفرض عليها التطبيع تحت تهديد الطرد الوظيفي والترحيل من البلد. الأعمال المباشرة بين لبنانيين وإسرائيليين بدأت، سواء أكان عبر عقد لقاءات عمل عن بُعد، أم التحضير لافتتاح مشاريع في الأراضي الفلسطينية المُحتلة. يتعامل اللبنانيون في الاغتراب مع الأمر على قاعدة: «لا حَول ولا قوّة»، وثمّة بينهم من اكتشف وجود إسرائيليين يتعامل معهم كانوا يُقدّمون أنفسهم بجوازات سفر أوروبية وأميركية. الدولة اللبنانية «تطمر» رأسها في التراب، مُصرّة على عدم «رؤية» التغيرات في المنطقة وانعكاساتها. تماماً كما لم «يتم التعاطي بجدّية مع تسريب الإمارات لخبر وقف التأشيرات للائحة من الدول العربية، من ضمنها لبنان، القاسم المُشترك بينها هو رفضها للتطبيع.
بدأت الأعمال المباشرة بين مغتربين لبنانيين في الإمارات وإسرائيليين
الضغط لم تعد له علاقة فقط بمسألة حزب الله وإيران، بل بفرض التطبيع على المنطقة كلّها، ولبنان يستمر في النكران والتمسّك بوهم أنّه قادر على إعادة تفعيل العلاقات العربية ببساطة»، يقول أحد الدبلوماسيين. اللافت أنّ المسؤولين في «الخارجية» يطرحون أسئلة يُفترض أن يُساءلوا هم حولها: «هناك إدارة أميركية جديدة تتحضّر لتسلّم السلطة، ووضع أسس جديدة للاتفاق مع إيران، وإطلاق حوار فلسطيني - إسرائيلي جديد، وزيادة عدد الدول المُطبّعة. أين لبنان من كلّ ذلك؟ هل ستنعكس الأحداث في التركيبة الجديدة للسلطة؟ وكيف تُفترض مواكبتها؟ نحن بحاجة إلى إعادة تموضع السياسة الخارجية اللبنانية والبحث باقتراحات وفتح أبواب جديدة في العلاقات الثنائية». لماذا لا يُعكس ذلك في النقاشات في الوزارة وفي توجيه تعليمات جديدة إلى رؤساء البعثات؟ «لأنّ الوقت لم يحن بعد لهذا الإصلاح. نقرأ التطورات ونُحاول فهم الأحداث، ولكن ليس بطريقة يُبنى عليها. الأمور بحاجة إلى تحديث على مستوى كبير».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا