في ورقة بحثية نشرها موقع «Research Gate» سنة 2012، حول تأثير الدولرة غير الرسمية على الاقتصاد الصومالي، وُجِد أنّها تؤدّي إلى اضطرابات اقتصادية شديدة «من بينها الفشل في استقرار الأسعار في السوق المحلية، وإعاقة إرساء نظام إدارة مالية متين داخل مؤسسات الدولة». لذلك، أوصت الدراسة بتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، «مع تشجيع استخدام سلّة من العملات على المدى القصير، وتعزيز استخدام العملة المحلية على المدى الطويل. اعتماد مثل هذه الاستراتيجية، سيُسهّل تجنّب تكرار الأزمات المالية». وفي هذا الإطار، يقول أحد أساتذة الاقتصاد في «كلية لندن للاقتصاد» إنّ العملة اللبنانية «هي شكلٌ من أشكال الدولار، وقد فقدت قيمتها. مع الوقت، سترتفع الحاجات الاستهلاكية للمالكين وستشتد حدّة الانهيار مع خفض الدعم على استهلاك المواد الرئيسية، وبالتالي اضطرار أصحاب العقارات إلى خفض الأسعار، وإلا فلن يستأجر أحد».
ما يحصل في قطاع الإيجارات منذ أشهر، يُشير إلى نقطة مُحدّدة هي «غياب وحدة نقدية يتعامل الناس وفقها»، بحسب الأمين العام لحركة «مواطنون ومواطنات في دولة»، الوزير السابق شربل نحّاس. ويُضيف بأنّ «النقد فقد وظيفته الأساسية، كمسطرة أسعار، والأمر لا ينحصر في موضوع الإيجارات، بل بكلّ قطاع له مدى زمني، كعقود التشغيل، لأنّ لا أحد يقدر أن يُحدّد مُسبقاً كم ستبلغ قيمة الدولار». يؤدّي ذلك، وفق نحّاس، إلى «تعطّل إمكانية تبادل السِلَع».
في حالة الإيجارات، تأتي دولرة الاقتصاد وانهيار سعر الصرف لتحرم الناس في الحصول على المسكن. فبحسب برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية - «UN Habitat»، يُشكّل الحقّ في السكن «حجر الزاوية في الاستراتيجية العالمية للإسكان التي تُعرّف السكن اللائق بأنّه يضم: الخصوصية، المساحة، الأمن، الإضاءة والتهوئة، البنية التحتية الأساسية، الموقع المناسب بالنسبة إلى مكان العمل والمرافق الأساسية. وكلّ ذلك بتكلفة معقولة». وفشل الحكومات في تأمين الحقّ بسكن لائق، «يؤثّر على حقوق أخرى، كالعمل والتعليم والصحة والأمان». معظم الدول تعتمد سياسات مُعينة لتأمين السكن، في اسكتلندا مثلاً، أصدرت الحكومة سنة 2003 قانوناً يُلزم الحكومات المحلية إيجاد سكن دائم لجميع المشردين في مهلة 90 يوماً. أما في لبنان... فـ«الربّ راعيها». لم تهتم أيّ من الحكومات المُتعاقبة منذ التسعينات في اعتماد استراتيجية حماية اجتماعية، يكون السكن أحد أضلعها الرئيسية، مُستقيلة من مهمة لعب دور «الرقيب» على الأقلّ، حمايةً لمصالح الفئات الأضعف.
نحاس: ما يجري بسبب غياب وحدة نقدية يتعامل الناس وفقها
المادة الثالثة من قانون الإيجارات، تنصّ على إنشاء «صندوق خاص للإيجارات السكنية يكون تابعاً لوزارة المالية. يهدف هذا الصندوق إلى مساعدة جميع المستأجرين المعنيين بهذا القانون الذين لا يتجاوز معدّل دخلهم الشهري ثلاثة أضعاف الحدّ الأدنى للأجور وذلك عن طريق المساهمة في دفع الزيادات، كلياً أو جزئياً حسب الحالة، التي تطرأ على بدلات إيجاراتهم تنفيذاً لأحكام هذا القانون». يقول أحد المسؤولين الماليين إنّ هذه المادة «وُضعت لرفع العتب، فالصندوق لم يُفعّل يوماً، وأصلاً لا يُمكن أن يُنشأ بمعزل عن استراتيجية مُتكاملة». وأحد الأدّلة على عدم جدّية الدولة اللبنانية بما خصّ «الصندوق» يظهر في قيمة المبالغ «المُتدنية التي كانت تُلحظ له في الموازنات، والتي لم تُصرف يوماً». بالنسبة إلى مارون الحلو، أحد الحلول الواجب طرحها هي «تعديل قانون الإيجارات، وتخصيص مناطق سكنية للعاملين في بيروت حتى لا يتكبدوا مشقة التنقلات، وتكون بمتناول قدراتهم المادية».
في كتابه، «المال.. إن حَكم. جذورٌ مُهدّدة بالزوال»، يسرد الوزير الراحل هنري إده أنّه «قبل سنة 1975، كان لوسط بيروت وظيفة اجتماعية واضحة وبارزة، ولكنّها كانت قائمة على قانون استثنائي يؤبّد بدلات الإيجار ويُثبّتها في مستويات منخفضة بصورة غير عادية. وبعد إعادة إعمار هذا الوسط، لن يتمكّن سكّانه ذوو الدخل المتواضع من العودة إليه إلّا إذا قبلت الدولة أن تأخذ على عاتقها إعادة سكنهم، وهو شرط بعيد الاحتمال». أولياء الدولة اللبنانية، من ضمنهم سلطة رأس المال، تآمروا على السكّان، لا في وسط بيروت وحسب، بل في كل لبنان، فلم يُعيدوا إسكانهم ولم يؤمنوا مساكن للأجيال المتعاقبة. يقول المسؤول المالي إنّ «الخطأ الجسيم حصل مع دفع الناس للتملّك، لإنجاح سياسة المصرف المركزي في توزيع القروض. المنطق حالياً، أن تنخفض أسعار العقارات، وتعود الناس للإيجار».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا