لكن هذا خيار لا يستطيع كثيرون اتخاذه، وخصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الضاغطة، بالنسبة إلى البعض «العمل بالضغط أفضل من لا شيء»، وإن كانوا في سرهم يعرفون أن هذا «كلو على حسابنا»، يقول أحد العاملين. والتعب هنا ليس في تضاعف عدد ساعات العمل بعد «هروب» بعضهم و«تشحيل» المستشفيات للبعض الآخر، وإنما بسبب غياب المحفزات. ناهيك عن أن تصرفات بعض المستشفيات، ومنها مستشفيات جامعية، مع الممرضين دفعتهم إلى اتخاذ أمرّ الخيارات. وليس أقل تلك التصرفات قبحاً «الحسم من راتب الممرض عندما يصاب بالفيروس»، تقول ضومط. وهو ما يخالف القانون والأخلاق. ففي وقت يفترض أن تكون أيام الحجر على حساب المستشفى، تمعن المستشفيات في «إذلال الممرضين، فتسألهم مثلاً من أين أصبتم بالفيروس؟»، على ما تقول ضومط. وغالباً ما تأتي النتيجة لغير مصلحة الممرضين، وتحسم أيام الحجر من رواتبهم. إضافة الى إجراءات أخرى، منها الحسومات على الرواتب بسبب أزمة الدولار. تشير إحدى الممرضات إلى أنه «منذ ثلاثة أشهر تحسم الإدارة 30% من رواتبنا بسبب أزمة الدولار».
يحسم بعض المستشفيات أيام الحجر من راتب الممرّض عندما يصاب بالفيروس
يحدث هذا كله في وقت يفرض على هؤلاء العمل بدوامٍ مضاعف، بسبب النقص في عديدهم. وفي هذا الإطار، توضح إحدى الممرضات أنه في قسم الطوارئ في المستشفى اليوم، «نعمل 3 ممرضين فقط، وأنا كممرضة أساسية (مجازة) أعمل وحدي ضمن الدوام ومعي مساعد ممرض لمدة 12 ساعة متواصلة». والأنكى من ذلك، «أنني أعمل في قسم الطوارئ مع المرضى العاديين ومع مرضى الكورونا في الوقت نفسه»! مع ما لذلك من مخاطر نقل العدوى، ولهذا السبب «أبلغت الإدارة بأنني إما أكون في قسم كورونا أو مع المرضى العاديين». ولكن غالباً ما يكون الجواب: «سنأتي بآخرين ليحلّوا مكانكم في أقسام الكورونا». منذ ثلاثة أشهر، تسمع الجواب نفسه، وقبل أيامٍ «حيث استبدلت دواماتي الشهرية من 15 دواماً إلى 21 دواماً، بعد استقالة 3 ممرضين من القسم».
ما تقوله الممرضة تدركه جيداً ضومط التي تتحدث عن «قسمة» غير عادلة يعانيها العاملون في المستشفيات، سواء في الأقسام العادية أو أقسام الكورونا. ففي وقت تشدد «كل قوانين العالم» على أن تكون هناك «ممرضة لكل 8 مرضى في الأقسام العادية كحد أقصى، يصل عدد المرضى الذين تتابعهم الممرضة الواحدة في لبنان إلى 18». أما في أقسام الكورونا فحدّث ولا حرج، إذ استنزف الممرضون، «واليوم هناك 3 ممرضات على 24 ساعة لمرضى الكورونا في العنايات الفائقة و3 ممرضات لخمسة مرضى كورونا في الغرف العادية». هل هذا عادل؟ تقول ضومط لا، «لكنه الواقع»، وإن كانت النقابة تطمح اليوم إلى واقع مغاير. والطموح هنا من شقين: أولهما «مادي، وتتحمل الدولة جزءاً من المسؤولية هنا»، وثانيهما معنوي يتعلق بالعمل على «إعادة الثقة بين القطاع التمريضي والمستشفيات».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا