تبلّغ البنك الدولي من سلامة تسديد المبلغ بالدولار، لكنه سرعان ما انقلب على قراره
ورغم إقرار اتفاقية القرض، لن يوضع البرنامج على سكة العمل قبل اختيار الشركات التي ستقوم بالزيارات للعائلات. فقد اشترط البرنامج تعيين شركات استقصائية، على أن تؤمن نفقاتها عبر منحة من البنك الدولي لم تتوفر أموالها بعد. هنا أيضاً، ثمة خلاف في اجتماعات اللجنة التي يترأّسها وزير الشؤون حول كلفة الاستمارة الواحدة، إن كانت 7 دولارات أو 8 دولارات أو تصل الى 15 دولاراً للاستمارة الواحدة. وتقول المصادر إن ما جرى تأمينه من البنك الدولي لا يتعدّى مليونين ونصف مليون دولار ستكون كافية لسدّ نفقات زيارة 300 ألف عائلة حتى يتم انتقاء 200 ألف منها في حال اعتماد مبلغ 8 دولارات للاستمارة، فيما سيكون مطلوباً مضاعفة المبلغ إن رست المعادلة على 15 دولاراً. في شتى الأحوال، لا يمكن للأمر أن ينجز قبل توقيع الاتفاقية المعدّة مسبقاً بين برنامج الأغذية العالمي والحكومة، وقبل تأمين البنك الدولي للمبلغ كاملاً بحيث يجري على أساسه استدراج عروض للشركات التي سيكون العقد بينها وبين برنامج الأغذية حصراً. وينتظر البرنامج أن تأخذ الحكومة بملاحظاته حول الاستمارة «لتصغير هامش الخطأ. ولأن أي انطلاقة خاطئة ستوقع الشركات التي تنفذ الزيارة بمشكلة، ولا سيما أن الاستمارة بشكلها الحالي لن تضمن حسن اختيار العائلات بطريقة مهنية وموضوعية».التفاصيل السابقة تقود الى معادلة واضحة: لا تريد الجهات الدولية أيّ تدخل للدولة بما ستنفّذه، لا من ناحية الزيارات الميدانية ولا من ناحية إعداد الاستمارة ولا التقييم الذي سيجري على أساسه اختيار العائلات بعد تنفيذ الزيارات. يضاف الى ذلك أن المنصة نفسها الموضوعة عند التفتيش المركزي تديرها شركة أجنبية، علماً بأن مصادر متابعة للملف تستغرب عدم الاستعانة بإدارة الإحصاء المركزي التي هي محور أساسي في هذه المسألة ومعنية مباشرة، كما أن لديها مجموعة من الاختصاصيين الكفوئين، ورغم ذلك يجري تغييبها بالكامل. فثمة من قرر أن تكون الدولة مجرد متفرج، تنفذ طلبات الجهات الدولية من دون أن تعترض أو تراقب أو تتدخّل أو تدقق؛ رغم أن البنك الدولي وبرنامج الأغذية لم يمنحاها هبة، بل هو قرض على الدولة أن تسدّده.
جرى تغييب متعمّد لإدارة الإحصاء المركزي المخوّلة تقييم الاستمارات والاستعاضة عنها بجهاز رقابي غير مجدٍ
ويحدث أن يكون الوزير الذي يترأّس اللجنة التقنية المخوّلة وفق القانون التدقيق في التفاصيل وابتكار الأفكار ثم رفعها إلى اللجنة الوزارية لتنفيذها، هو وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية. لكن وجوده في الاجتماع كما باقي الوزراء ليس سوى فولكلور، مع العلم بأن القرض هو اتفاقية صادرة بقانون من مجلس النواب، ما يعني أنه يحق للمجلس ملاحقة الوزراء في حال الخطأ. الاتصال بوزير الشؤون لا يجدي نفعاً، بل يقابل بتأجيل الكلام من قبله مرات عدة. هذا الغياب التام أتاح للبنك الدولي التصرف كما لو أنه القائم بالأعمال في الدولة اللبنانية، فقرر استحداث مركز اتصالات (call center) وفرض شركة على رئاسة الحكومة من دون أي تفاصيل حول طريقة اختيارها ومؤهلاتها، أي على الطريقة اللبنانية، الأمر الذي قوبل بالرفض وأُبلغ القرار الى مسؤولة المشروع حنين السيد.
من جهة أخرى، لا يزال موضوع دفع قيمة البطاقة بالدولار أو بالليرة اللبنانية عالقاً في سراديب مصرف لبنان. فبعد الإشكالية التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي والشكاوى الموجهة الى البنك الدولي بضرورة الدفع بالدولار، طلب البنك من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تسديدها بعملة القرض، رغم موافقته سابقاً على دفعها بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف يحدده سلامة. ما حصل بعدها أن وزير المالية غازي وزني نشر تغريدة تعلن الاتفاق على إعطاء البطاقة بالدولار، وأبلغ سلامة بدوره البنك الدولي بذلك وفق مصادر متابعة. لكنه ما لبث أن انقلب على هذا القرار على ما أبلغته الجهات الدولية في الاجتماعات، وسط رفضها لهذا الإجراء. وبالتالي لم يُحسم الموضوع حتى الساعة بانتظار قرار رسمي من مصرف لبنان.