حرص هوكستين على إبلاغ كل من زارهم أن جولته الأولى استكشافية. وهو لذلك يرغب بالاجتماع بكل المعنيين بالملف، ليس على مستوى المسؤولين فقط، بل على صعيد الفريق التقني أيضاً. وهو طلب من قائد الجيش العماد جوزيف عون السماح له بالاجتماع برئيس الوفد اللبناني السابق العميد بسام ياسين بعيداً من الإعلام. وفي هذه الجلسة استفسر الوسيط الأميركي عن «كل كبيرة وصغيرة» في ما يتعلق بمسار المفاوضات سابقاً، كما سأله عن سبب عدم التمديد التقني لياسين وتأثير ذلك على الجيش. خصوصاً، في ظل الكلام عن أنه «في حال توسيع الوفد وتعيين شخصية سياسية أو دبلوماسية تترأسه فإن الخبير نجيب مسيحي والعقيد مازن بصبوص سينسحبان منه».
التقى هوكستين رئيس الوفد المفاوض اللبناني سراً ولبنان يناقش احتمال طلب عون شركة ترسيم دولية
وخلص هوكستين إلى وجود هوّة جدية في المواقف يين القيادات السياسية والوفد المفاوض. بين فريق مُلتزِم باتفاق الإطار الذي ينصّ على الوفد العسكري، وآخر أكثر مرونة لجهة قبول طرح الجولات المكوكية للوسيط الأميركي وعقد لقاءات متعدّدة، على أمل أن تكلف الحكومة بعد توافق الرؤساء الثلاثة وزارة الخارجية بهذه المَهمة. كما أن الرجل لمس أيضاً شهية كل الأطراف للتوصل إلى اتفاق سريع يتيح إطلاق عملية التنقيب، وتحقيق ذلك من خلال تسهيل عملية التفاوض لتمكين لبنان من الاستفادة من عائدات النفط لمعالجة أزماته الاقتصادية. وهو ما جعل الوسيط الإسرائيلي - الأميركي يُبلغ المسؤولين اللبنانيين بحزم: «لديكم مهلة شهرين إلى ثلاثة أشهر لإنجاز الاتفاق وليسَ أكثر». كما أكّد بوضوح لسائليه عن إمكان شروع لبنان بالتنقيب في نقاط غير متنازع عليها بأنه «ما من شركة في العالم ستوافق على العمل معكم قبل إنجاز الاتفاق مع إسرائيل».
يبقى ما يريده الوسيط الأميركي من دون أن يقدمه بشكل رسمي بعد، وهو فكرة تقاسم الثروات في المنطقة المتنازَع عليها، والتي بحسب ما هو ظاهر حتى الآن، تجعل نصيب لبنان محدداً وفق «خط هوف» أو أكثر بقليل. لم يطرح هوكستين فكرته بشكل صريح، لأن «القوى السياسية قالت إنها ستنتظِر أيضاً ما سيعود به من إسرائيل، فيضع قاعدة يُمكن الانطلاق منها»، علماً أن فكرته لجهة التطوير المشترك للآبار تحت البحر لا فيتو لبنانياً عليها بالمطلق، وقد طُرحت في لقاءات جانبية مع مسؤولين لبنانيين وأميركيين سابقاً ولم يُبد الجانب اللبناني رفضاً مطلقاً لها. أما ترجمتها في العلن، فكانت تُقارب من خلال تقديم طروحات من قبيل الاستعانة بشركة أجنبية أو أميركية تُلزَّم المنطقة المتنازع عليها وتديرها عبر حساب مشترك وتوزّع الأرباح بينَ لبنان والعدو الإسرائيلي بحسب المساحة المخصّصة لكل منهما.
هذه الفكرة ليست، في حقيقة الأمر، سوى قبول بالشروط الأميركية وتستهدف تطبيعاً اقتصادياً مُقنّعاً مع العدو، وهذا ما يفرض الحذر على مواقف بعض الجهات اللبنانية. لكنّ السؤال هو: هل يقبل لبنان الاستعانة بشركة ترسّم الحدود ويلتزِم بما تحدده له، أم يكتفي بمساعدة قانونية استشارية تُشرّع العمل الذي قامَ به لترسيم حدوده؟ ومن هي الجهة التي ستبادر إلى ذلك أو لها صلاحية التقرير؟
بحسب مصادر وزارية، هذا الأمر يدخل ضمن إطار الاتفاقات الدولية، والجهة المخوّلة القيام به هي رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة كما ينصّ الدستور. وهو ما أكّده وزير الأشغال علي حمية الذي قال لـ«الأخبار» إنه يدرس ملف الترسيم، وإن أحداً لم يتحدث إليه بالملف حتى الآن، «ولم يذكر أحد أمر الاستعانة بالشركة»، لافتاً إلى أنه يلتزم «بما تقرّره الحكومة».