يروي جاد (موقوف في السجن المركزي في رومية) تجربة دخوله إلى عالم الإدمان: «لدى دخولي السجن منذ أربع سنوات، كنت خائفاً جداً، وأعاني من توتر وإحباط حتى تعرفت على هادي. أعطاني كم حبة «ليغزو» (Lexotanil) وقال لي إنها تحسّن المزاج. وبمرور الايام أصبحت أتكل عليها».
من أين لك هذا؟
يشكو بعض السجناء أن الازمة الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة مقابل الدولار أدى إلى فقدان عدد من الادوية بسبب ارتفاع سعرها. ما زالت الدولة تؤمن أدوية أعصاب للسجناء مثل Lexotanil و Benzhexol على نفقتها ولكن بشكل غير منتظم. أحياناً يستعان بالأهل والجمعيات الخيرية لتأمينها، ويشار إلى ذلك على الوصفة الطبية الخاصة بالمريض بعبارة «تستدرك على نفقة ذويه». وغالباً ما يلجأ ذوو السجين إلى الجمعيات الخيرية لطلب المساعدة في تأمين الدواء. من بين تلك الجمعيات «كاريتاس» التي تعمل على تأمين بعض الأدوية الخاصة بنزلاء المأوى الاحترازي (المبنى الأزرق) الذين يُعانون من أمراضٍ نفسيّة وعصبيّة. تؤمَّن تلك الادوية، سواء كانت أصلية أو جينيريك، عبر الشركات المستوردة. ومن أبرز تلك الأدوية: Prometal ، Lexotanil، وCarbamazepine.
يتم الحصول على «دواء الأعصاب» داخل السجن بطرق مختلفة، منها ما هو مباشر حين يوصَف طبياً للسجين «المريض» ليساعده في تخفيف عوارض الإدمان التي يعاني منها قبل دخوله السجن. أما الطريقة الملتوية لحصول السجناء على تلك الادوية فتكون بالاستعانة بدواء موصوف لسجين آخر يعاني من مرض معين، وتكون تركيبة الدواء الكيميائية مرغوبة بحيث يكون مفعولها شبيهاً بمفعول المخدرات التي كان يتعاطاها السجين قبل توقيفه. يستعين السجناء المدمنون بخبرة أصحاب السوابق من تجار المخدرات أو المتعاطين بتصنيع دوائهم عبر تكسير عدة حبوب وخلطها مع بعضها للحصول على «التركيبة المناسبة».
يبيع بعض السجناء المرضى أدوية الاعصاب الموصوفة طبياً لهم إلى زملائهم في القاووش مقابل علب سجائر
وقد يحصل أن يستفيد بعض الأصحاء داخل السجن من إدمان رفقائهم السجناء، حيث يبيع سجين غير مدمن دواء خُصّص له نتيجة عارض صحي تعرض له، أو عند ادعاء المرض، أو تشطيب نفسه بآلة حادة، ما يتيح له الذهاب إلى صيدلية السجن للحصول على وصفةٍ طبية، وبالتالي على دواء مخدر بطريقة شرعيّة ومجاناً كـ Rivotril Tramadol Deanxit. يعمد في ما بعد إلى بيعه إلى سجين آخر مدمن لقاء علب دخان أو نوع آخر من المقايضة.
علاج مفقود
الدخول إلى عالم الإدمان ليس كالخروج منه. فالتوقف عن تناول الهيرويين والكوكايين والحبوب المخدرة، أو حتى أدوية الأعصاب بصورة فجائية، يؤدي إلى تفاقم عوارض صحية خطيرة، تضاف إلى الصداع والدوار والتعب. إذ قد تتطور المعاناة الصحية أحياناً إلى نوبات قلبية، أو مشكلات في العظام، وقد تؤدي إلى الوفاة أو الموت البطيء. فالدماغ والجهاز العصبي في جسم المدمن قد تكيف مع تلك الادوية وأصبحت من ضمن نظامه الصحي العام. لذا يكون العلاج الإقلاع عن المخدرات وأدوية الأعصاب بصورة تدريجية، أي تقليلها على مراحل لتسمح للجسم بالتكيف المرحلي. لكن السجون في لبنان تفتقد بكل أسف إلى مراكز علاج يشرف عليها جسم طبي متخصص كافية لاستيعاب العدد الكبير من المدمنين، والذي يقدّره بعض الضباط المشرفين عليها بنحو نصف مجموع الموقوفين والمحكومين.
تحميل قوى الأمن أكثر مما تحتمل
عدم قدرة المركز الطبي في قوى الأمن الداخلي على تلبية كافة الحاجات نتيجة الأزمة الاقتصادية استدعى تحركاً سريعاً من الجمعيات الخيرية التي عملت، في الإطار العلاجي (Detoxification) على توفير بعض الأدوية لعلاج الإدمان. وأمّنت كمية من أدوية الاعصاب مثلDopamine لتخفيف معاناة المدمنين. أما بالنسبة إلى إعادة التأهيل (Rehabilitation)، فتلجأ بعض الجمعيات إلى العلاج بالدراما، عن طريق ممارسة الأنشطة والتمارين التجريبية والعملية التي تمكّن الفرد أو المجموعة المشاركة بها من البوح بقصصهم الشخصية والتعبير عن مشاعرهم في سبيل المساعدة في تغيير السلوك وبناء المهارات. أما الجمعيات الدينية فاحتكمت إلى دعوة المدمنين الى الصلاة.
تحتاج كل هذه العلاجات إلى متابعة متخصصة ومواكبة من قبل أطباء نفسيين كل حالة على حدة. فلكل مريض حاجاته ومتطلباته الخاصة للعلاج.
وكل هذا يستدعي نقل إدارة السجون من قوى الأمن الداخلي التي كُلّفت بهذه المهمة الشاقة مؤقتاً منذ عشرات السنين إلى إدارة متخصصة بدأ تأسيسها ضمن وزارة العدل، لكنها تحتاج إلى مزيد من الدعم من مجلس الوزراء لتتمكن من تولي الأمر واستعادة الوظيفة الأساسية للسجون المرتكزة على إصلاح السلوك الجنائي وحماية المجتمع.
وتيرة إدمان متصاعدة
يعتاد المدمن على تناول المخدّر لغرض الحصول على المتعة والاسترخاء. يرتبط هذا التعود بحدوث تغيرات كيميائية داخل دماغ المدمن تجعله يطلب تلك المادة باستمرار وتمنعه من الاستغناء عنها. وبمرور الوقت يعتاد الدماغ على كمية المخدّر التي يتعاطاها بشكل منتظم فيضعف مفعولها، وهو ما يدفع المدمن إلى طلب المزيد، أي زيادة الكمية للوصول إلى النشوة المنشودة.