لا شك أن لنظام المحاصصة في التشكيلات القضائية أثراً على سلوك القضاة. ورغم تكرار النفي وتبرّؤ بعض القضاة من أي ولاء طائفي أو فئوي أو سياسي، تكثر المؤشرات التي تدل إلى عكس ذلك. حتى لو سلّمنا بأن هؤلاء القضاة لا ينصاعون لتوجيهات ورغبات السياسيين وزعماء الطوائف والمصرفيين، لكن يبدو أن دوافع تصرفات بعضهم تتعلق بتأمين مصالحهم الشخصية. ولا يمكن القول أن القاضي الذي يعمل لخدمة مصالحه الشخصية أقل سوءاً من القاضي الذي يعمل لخدمة سياسيين أو مصرفيين أو رجال دين. القاضي الفاسد قد يجمع الاثنين معاً فيخدم مصلحته من خلال تقديم الخدمات للآخرين. والقاضي الفاسد قد لا يكون طائفياً أو مؤيداً لطرف على حساب طرف آخر بل هو مستعد لخدمة أي طرف مقابل مكاسب شخصية.
القاضي الفاسد قد لا يكون طائفياً أو مؤيداً لطرف على حساب طرف آخر بل هو مستعد لخدمة أي طرف مقابل مكاسب شخصية
لا فرق بين قاض أجنبي وقاض محلي إلا في:
• عمله القضائي لتحقيق العدالة لا لخدمة المصالح بما في ذلك مصلحة بلد او فئة أو خدمة مصلحته الشخصية.
• كفاءته واختصاصه القضائي.
• مدى التزامه أصول الإجراءات وتسلسلها (Due process).
• جدية عمله.
• التصميم على التوصل إلى علاج فعال (effective remedy) للقضية القضائية.
أذكر أنه لدى تأسيس المحكمة الخاصة بلبنان عام 2007 ووضع نظامها الأساسي، أُثير موضوع جنسيات القضاة واتفق على ضرورة أن يكون عدد منهم من الجنسية اللبنانية. لكنهم حسموا بأن على رئيس المحكمة أن يكون أجنبياً وكأنهم أقروا باستحالة وجود قاض لبناني نزيه يتمتع بكفاءة عالية ويتميّز باستقلاليته، وفي ذلك مجافاة للحقيقة. أشرت يومها في «الأخبار»، في معرض قراءة نقدية لنظام المحكمة، أن هذا النقاش يغلب عليه الطابع السياسي ولا علاقة له بتحقيق العدالة، فليكن جميع القضاة أجانب طالما يحترم كل منهم الأصول ويتمتع بالكفاءة ويبتعد عن السياسة والسعي لتأمين مصالحه الشخصية أو الفئوية أو الوطنية.
وكما في العام 2007، نعتقد اليوم أن لا أهمية لجنسية القضاة والمحققين الذين يعملون في ملف الجرائم المالية والمصرفية أو في ملف انفجار المرفأ. بل يفترض أن يكون المرجع الأساسي لهؤلاء القضاة والمحققين هو الأخلاق والالتزام بالقانون والأصول والابتعاد كل البعد عن الانحياز والأحكام المسبقة والفساد والتوظيف العاطفي.