هذا التمييز بين المجلس كهيئة جماعية وكمجموع من الأشخاص، يربط عملية انتخاب «الرئيس» بالحقوق الدستوريّة للمجلس بكلّيته أو برمته، التي لا تُختزل بنائب أو مجموعة من النواب أو بكتلة نيابيّة، ما يعني أن امتناع أيّ نائب عن الحضور في جلسة انتخابيّة، هو، برأينا، اعتكاف عن ممارسة واجب تجاه المجلس برمّته بغية تطبيق المواد 49 و73 و74 و75 من الدستور، وتالياً امتناع عن تطبيق نصوص دستوريّة، حيث لا يجوز، والحال هذه، أن يشكّل الخروج عن نصّ دستوريّ حقاً دستورياً، وهو أمرٌ منافٍ للمنطق. ذلك أن التعبير عن موقف سياسي أو دستوريّ للنائب يتجسّد بالانتخاب أو بالاقلاع عنه عبر ورقة بيضاء...
اشتُرط النصاب الدستوري من أجل انتظام المؤسسات الدستوريّة لا من أجل تقويضها
2- إنّ قراءة متأنيّة لنصوص المواد 73 و74 و75 من الدستور يستشفّ منها أنّ المشرّع الدستوري أكّد واجب اجتماع المجلس، كهيئة جماعيّة، لانتخاب رئيس الجمهورية، وهو تأكيدٌ ينمّ عن افتراض من المشرّع بأن أيّ نائب لن يتخلّف عن هذا الواجب، الأمر الّذي فسّر عدم ذكر النصاب المطلوب في جلسة انتخاب الرئيس، لأنّ هناك افتراضاً بحضور المجلس بكامله، جرت ترجمته في عبارة «الاجتماع الحكمي» وفي عبارة «الاجتماع الفوري بحكم القانون» التي تعني، برأينا، جواز اجتماع المجلس ولو كان خارج أدوار الانعقاد، ومن دون مرسوم يحدّد إمكانية انعقاده وفق برنامج معيّن، لكن هذا لا يعني، بالضرورة، جواز تداعي النواب إلى المجلس من دون دعوة رئيسه، بدليل ان المادة 73 من الدستور كانت قد قيّدت «الاجتماع الحكمي» على امتناع رئيس المجلس عن الدعوة إلى الانعقاد قبل انتهاء الولاية الرئاسيّة، وتحديداً في اليوم العاشر الّذي يسبق أجل انتهاء الولاية، وهو ما لا يمكن تعميمه على المادة 74، ذلك أن المادة 73 حدّدت توقيتاً معيّناً لاجتماع المجلس من دون دعوة رئيسه بذكر عبارة «اليوم العاشر»، بينما المادة 74 لم تلحظ ذلك، ما يُلزم، بموجب عبارة «بحكم القانون» الواردة في هذه المادة، العودة إلى المادة 54 من النظام الداخلي لمجلس النواب بنصّها الآتي : «يعيّن الرئيس... مواعيد الجلسات».
3- عملاً بأحكام المادتين 61 و62 من النظام الداخلي لمجلس النواب لا يجوز للنائب التغيّب عن أكثر من جلستين في دورة من دورات المجلس العادية والاستثنائية الا بعذر مشروع مسبق يسجّل في قلم المجلس. وفي حال اضطرار النائب للتغيّب بغير مهمة رسمية، وبصورة مستمرة، عن اكثر من جلسة واحدة عليه ان يقدّم طلباً إلى قلم المجلس يبيّن أسباب التغيّب، ويعرض هذا الطلب على المجلس لأخذ العلم في أول جلسة يعقدها.
يُستفاد من هاتين المادتين أن المشرّع لم يُجز التغيّب عن الجلسات النيابية على إطلاقها ما دام المطلق يجري على اطلاقه ما لم يتم تقييده بنصٍ أو دلالة، وحدّد، للغاية ذاتها، قيوداً أو شروطاً لاضطرار النائب إلى التغيّب، ما يعني أن المشرّع، وإن لم يرسم جزاءً وافياً عند تخلّف النائب عن حضور الجلسات، انما حظّر، من الناحية المبدئية، الغياب، واعتبره، بالتالي، محظوراً لا حقاً يلجأ اليه النائب عندما يريد...
بناءً عليه، فإنّ مجلس النواب، بكامل اعضائه، مدعوٌ لإنتخاب رئيس الجمهورية، بحُكم الفقرة الثانية من المادة 49 من الدستور (يُنتخب رئيس الجمهورية)، وبما يتسق مع أحكام المواد 73 و74 و75 من الدستور، لئّلا تُهدم الدولة أكثر فأكثر، ويصبح الدستور، لا سمح الله، مجرّد وجهة نظر تسير بحسب منحى المصالح السياسيّة والطائفيّة. علاوةً على أن تأمين ظروف هذا الاستحقاق مرتبط أشدّ الارتباط بالنصاب الدستوري الّذي اشتُرط، أصلاً، من أجل انتظام المؤسسات الدستوريّة لا من أجل تقويضها وتركها في مهبّ الريح، وبالتالي فإنّ تعطيل «النصاب» هو، وفق الأسباب السالف ذكرها، محظور وليس حقاً.
* خبير دستوريّ وأستاذ جامعي في القانون العام