لم يعر عيتاني اهتماماً لكل الانتقادات التي توجّه إليه والتي وصلت إلى حدّ عدم دعوته في بعض الأحيان إلى نشاطات تخصّ بيروت، بل بقي يُداوم في مكتبه وانتظر حتّى حُسم أمر توظيفه، فقدّم استقالته الأسبوع الماضي إلى وزير الداخلية والبلديّات مباشرةً متذرّعاً بـ«الأسباب الصحيّة» وبأنّه ينوي السفر للعلاج في الولايات المتّحدة حيث مقر إقامة عائلته. ويُشير متابعون إلى أنّ هذه الاستقالة لم تُسجّل بعد رسمياً، نافين أن يكون عيتاني قد فاتح أياً من الأطراف السياسيّة بنيّته لأنّه اتّخذ قراراً لن يتراجع عنه. فيما يقول آخرون إنّ عيتاني «سمّع» رغبته إلى مقرّبين من الحريري الموجود خارج البلاد، وإن الجواب وصل عبر رئيس «جمعيّة بيروت للتنمية الاجتماعيّة» أحمد هاشميّة بأن أحداً غير متمسّك ببقائه، فبدأ العمل على «هندسة» البديل، خصوصاً أنّ العلاقة بين الاثنين متوتّرة أصلاً، إذ إن هاشميّة شأنه شأن كثيرين في بيئة «المستقبليين» الذين يعبّرون عن ندمهم لاختيار عيتاني رئيساً لبلديّة بيروت، لفشله في إدارة البلديّة وغيابه التام عن أبناء العاصمة، إضافة إلى «روائح الفساد» التي تنبعث من البلدية. لذلك، سعى هاشميّة إلى تسريع الإجراءات لتسلّم أحد الأعضاء السُّنّة مكان الرئيس المستقيل.
لم يتلقّ عيتاني أي مؤشر إيجابي من «المستقبل» لبقائه في منصبه
الطامحون كثر، بل يُمكن القول إن كل الأعضاء السُّنّة (7) يطمحون لخلافة عيتاني. لكنّ أسباباً عديدة تحول دون ذلك. وعليه، بات الأرجح انتخاب عبدالله درويش لرئاسة البلديّة من دون منافس، علماً أن العائق الوحيد الذي كان أمامه هو قربه من الوزير السابق محمد شقير وانضمامه إلى تجمّع «كلّنا بيروت» (أسّسه شقير) وهو ما توجّس منه تيّار المستقبل، إلا أنّ الأمر لم يأخذ الكثير من الوقت باعتبار أنّ درويش أفضل الخيارات المتاحة، وأنه لم يلتصق بشقير إلى حد انصهاره بالتجمّع الجديد بل أبقى على شيءٍ من التمايز، فلم يقطع يوماً «شعرة معاوية» مع «التيّار الأزرق» في عزّ هجومه على شقير، وكان من القليلين الذين التقوا الرئيس سعد الحريري خلال زيارته الأخيرة لبيروت سمع منه موافقته على تسلّم المنصب الجديد.
وإذا كان «المستقبل» يعدّ درويش من «حصّته»، فإنّ بقية الأطراف البيروتيّة لم تضع «فيتو» على اسمه، كشقير والنائبين فؤاد مخزومي ووضاح الصادق، خصوصاً أنّه يُحسب لدرويش أنّه يمتهن لعبة «تدوير الزوايا» وامتلاكه حيثيّة شعبيّة وانفتاحه على كلّ القوى السياسيّة بما فيها الأحزاب المسيحيّة التي لم تُعارض بدورها وصوله إلى الرئاسة.
وعليه، من المفترض أن يقبل مولوي استقالة عيتاني في اليومين المقبلين. لكنه لن يدعو إلى جلسة لانتخاب رئيس جديد حتّى بداية الأسبوع المقبل بسبب ذكرى انفجار مرفأ بيروت، ويُرجّح أن تُعقد جلسة الانتخاب في الوزارة بدعوة من مولوي وليس من محافظ بيروت.