كلمة نصر الله، التي ألقاها خلال احتفال أقامه حزب الله في الذكرى الرابعة لاستشهاد الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، أرادها مناسبة للقول صراحة للعدوّ بأن «المقاومة لن تسكت عن هذه الجريمة، وأن الحزب لا يخاف الذهاب الى الحرب»، مشدّداً مرة أخرى على جهوزية المقاومة واستعدادها للذهاب الى حرب شاملة في حال اقتضت مصلحة لبنان ذلك. كما وجّه نصر الله رسالة الى الجهات الدولية وإلى الذين ينشرون مقاربات تساهم في تقليص منسوب الخشية والقلق لدى الإسرائيليين بأن حزب الله سيبقى مضبوطاً.
وشدّد نصر الله على أهمية نتائج العمليات التي بدأت في 8 تشرين الأول الماضي على لبنان، قائلاً: «استنفر الإسرائيلي بكل أسلحته وعتاده، وهذه من بركات مسارعة المقاومة في لبنان الى فتح الجبهة». وأضاف «اعتبر الإسرائيلي أن ما جرى في غزة قد يرعب اللبنانيين وكانوا يفكرون جدياً بالقضاء على حزب الله باعتبارها فرصة، لكن هذه الحرب على لبنان منعها أمران. الأمر الأول مسارعة المقاومة الى فتح الجبهة، ما أفقد الإسرائيلي عنصر المفاجأة، والأمر الثاني قوة المقاومة وشجاعتها وجرأتها»، معتبراً أن أهم رسالة للمقاومة في لبنان في 8 و9 تشرين أنها مقاومة شجاعة وقوية وليست مردوعة أو لها أيّ حسابات في الدفاع عن بلدها». وقال نصر الله إنّ «المقاومة في لبنان عندما فتحت هذه الجبهة لم تكن مردوعة، وهي اليوم أكثر جرأة واستعداداً للإقدام.
وتحدث نصر الله عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وقال إنه «خلال ثلاثة أشهر لا يوجد أحد في الكيان الصهيوني يدّعي أنه أمام صورة نصر حتى الآن»، لافتاً إلى أنّ «من نتائج طوفان الأقصى وما يجري في كل محاور القتال انعدام ثقة شعب الكيان بالجيش والأجهزة الأمنية والقيادات السياسية».
نصر الله أكد أن الحرب على لبنان منعتها مسارعة المقاومة إلى فتح الجبهة
واعتبر أيضاً أنّ «من نتائج الحرب الفشل في تحقيق أيّ من الأهداف، فالأميركي عندما يقول للإسرائيلي أن ينسحب من المدن لأنه يخاف عليه، فيما من الممكن أن تكون رغبة المقاومة بقاء الصهاينة للنيل منهم»، وأنّ «طوفان الأقصى من أهم نتائجه أنه دمّر الصورة الأميركية التي تم الترويج لها وقدّمها بأبشع حقائقها، لأن أميركا هي اليوم من يقتل في غزة وتمنع وقف الحرب على غزة، وما حصل في غزة أثبت أن النظام الدولي والمؤسسات الدولية والمجتمع الدولي ليس قادراً على حماية أي شعب، وهذا عبرة لنا جميعاً». ولفت السيد نصر الله إلى تجربة غزة قائلًا: «هذه التجربة تقول إن كنت ضعيفاً لا يعترف بك العالم ولا يدافع عنك ولا يبكي عليك. الذي يحميك هو قوتك وشجاعتك وقبضاتك وسلاحك وصواريخك وحضورك في الميدان. فإن كنت قوياً تفرض احترامك على العالم، وهناك مشهد قوة في غزة، رغم المظلومية الهائلة، وما جرى وضع إسرائيل على طريق الزوال الذي سنشهده جميعاً ولن يستطيع أن يحميها أحد، أما العروش العربية فلتحفظ نفسها».
في تل أبيب، توقفت وسائل الإعلام أمام خطاب نصر الله، في موازاة تظهيرها ما سمّته «ذروة الجهوزية» لدى الجيش الإسرائيلي في الشمال، ونقلت عن مصادر عسكرية أن الجهوزية هي «للردّ على حزب الله»، وفسّرت زيارة رئيس الأركان هرتسي هليفي للمنطقة الشمالية وتصريحاته بأن «الجيش الإسرائيلي في جهوزية قصوى على الحدود»، بأنها «رسالة واضحة الى حزب الله».
وفي تحليل الخطاب، رأت إذاعة «كان» أن كلمة نصر الله حملت رسالتين الى إسرائيل، الأولى بالتأكيد على حتمية الرد على اغتيال العاروري، والثانية هي «تحذير إسرائيل أنه إذا ذهبت الى ردّ معتدّ به، بعد ردّه، فيمكن أن يتسبّب ذلك بحرب كبيرة، تدفع خلالها إسرائيل ثمناً باهظاً».
ويبدو أن التوقعات الإسرائيلية وتركزها على عملية الاغتيال منعت تتبّع المقصود من الإشارة الى «الحرب الكبرى» كما وردت في الكلمة، الأمر الذي يؤكد من جديد أن التأثر العبري بالنماذج المقولبة مسبقاً لتفسير ما يحدث وتقدير الآتي ما زال على حاله.
وقال الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، اللواء يعقوب عميدرور، إن «نصر الله من جهة لا يريد الانجرار إلى الحرب، وكذلك لا يريد أن يمنحنا الذريعة للقتال في لبنان، لكنه من ناحية أخرى يتعيّن عليه أن يفعل شيئاً»، منتقداً أصل قرار اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، بقوله: «على أيّ شخص لديه يد خفيفة على الزناد، أن يتذكّر أن الحرب في لبنان أصعب من القتال في غزة، وعلى الجبهة الداخلية ستكون أصعب بعشر مرات».