خيار القرم بعقد الصفقة مع إريكسون كان دائماً الخيار الأول والوحيد. فعلى إثر انتهاء مدّة التراخيص مبكراً، زار فريق من «ألفا» رئيس هيئة الشراء العام مرتين للوقوف على رأيه حول الموضوع، فكانت الإجابة واحدة: «إذا كان الموضوع يتعلق بـتعديل بنية النظام أي القيام بـUpgrade، يمكن إتمامه مع الشركة نفسها تلقائياً (أي إريكسون) ولكن في حال كان الأمر عبارة عن تغيير للنظام بالكامل، يفترض إعداد مناقصة لحفظ حق التنافس». وفي المرتين لم تتقدّم «ألفا» ولا وزير الاتصالات بأي استشارة خطية، بل بقيت الاستشارة شفهية للهروب من القانون. رغم ذلك، تفاوض القرم مع إريكسون حصراً. وعندما انفجرت الفضيحة، عرض الأمر على مجلس الوزراء.
ماطل الوزير 6 أشهر بعد تبلّغه من «ألفا» بانتهاء مدّة التراخيص من أجل فرض عقد الصفقة مع «إريكسون» كخيار وحيد
لم يقل القرم في مجلس الوزراء إن هذه الشركة احتالت على الدولة اللبنانية عندما أبلغت وزير الاتصالات السابق جمال الجراح وMIc 1 عقب فوزها بالعقد في عام 2017، بأن مدة ترخيص برنامج الصيانة (EOX) لنظام HDS ينتهي في عام 2026، لكن تبيّن أن المدّة هي في نهاية 2023. ولم يبلغهم أن الشركة عرضت على «ألفا» نظاماً جديداً ومختلفاً بالكامل يُعرف باسم Packet Switching Core. وهذا المشروع يحتاج إلى تجهيزات ومعدات (hardware) بالإضافة إلى برمجيات (software) مختلفة لا تعمل سوى على تجهيزات عائدة لشركتَي hp وdell. كما أن هذه الصفقة تأتي بعدما باشرت «إريكسون» انسحابها من السوق الدولية وعمدت إلى إقفال جزء أساسي من مكاتبها في لبنان وهي ذاهبة في اتجاه الإقفال التام. كذلك، وجّهت اتهامات إلى هذه الشركة بتمويل داعش في العراق وبانتهاك حقوق الموظفين وجرى تغريمها بتهم فساد في أميركا بمبلغ يقارب مليار دولار، فضلاً عن شبهات بدفع رشاوى وغسل أموال في 10 دول أخرى من بينها لبنان. فقد كشفت وثائق عُرضت في صحف أجنبية عن استخدام الشركة لصندوق رشاوى في لبنان لتقديم الهدايا والترفيه وحفلات ضيافة واستقبالات للحكومة اللبنانية بلغت قيمتها 800 ألف دولار بين عامَي 2010 و2019. لكنّ الضغط الأميركي للتمسك بـ«إريكسون» واستبعاد «هواوي» الصينية عن الفوز، كان عاملاً حاسماً حتى يتجنّد كل مجلس الوزراء لتفويض وزير الاتصالات بإتمام الاتفاق بالتراضي ومن دون الالتفات إلى الابتزاز التي تمارسه الشركة السويدية برفع قيمة عرضها إلى ما يقارب 17 مليون دولار ثم خفضه إلى 13 مليون دولار ثم تجزئة المبلغ على دفعات طبقاً للمشاريع المنوي إتمامها حتى يُصوّر الأمر وكأنه «إنجاز نوعي».
ويفترض أن يبتّ مجلس الشورى في هذا الطعن باتجاه وقف تنفيذ العقد استناداً إلى ثلاثة عناصر أساسية تُعدّ جوهرية لإبطاله:
- ثمة تناقض ما بين السرية التي تذرّع بها وزير الاتصالات لكسب موافقة مجلس الوزراء على إتمام العقد بالتراضي، ونشر هذه الاتفاقية على موقع الشراء العام. فالسرية تقضي بعدم التصريح عن الجهة المتعاقد معها أو عن المشروع نفسه وهو أمر تتيحه المادة 62 من قانون الشراء بحيث تعفي الجهة الشارية من النشر على المنصة الإلكترونية في حالات الطوارئ وعند شراء لوازم أو خدمات أو تنفيذ أشغال تستوجب الـمحافظة على طابعها السري من أجل مقتضيات الأمن أو الدفاع الوطني، وذلك وفقاً لقرار يُتَّخَذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح الوزير الـمختص الذي يُحدِّد الصفة السرية للشراء وأسباب التعاقد الرضائي.
- الضرورات الأمنية المتذرّع بها بعدم تسرّب الداتا والمعلومات إلى شركات أخرى وبالأخص «هواوي»، تُعدّ ساقطة بما أن هذه الشركة تدير نظام شبكة «تاتش». فهل الدولة اللبنانية ترعى مصالح نصف المشتركين وترفع مسؤوليتها عن النصف الآخر منهم؟
- نصّ قرار مجلس الوزراء على التعاقد مع 3 شركات، إلا أن الوزير لم يفاوض إلا شركة واحدة فقط، كان التفاوض معها يقع ضمن الشبهة. فهل جرى ذكر الشركتين على سبيل «الديكور»؟