إصرار الحكومة على الامتناع عن تقديم أي علاج حقيقي والتمييز بين فئات الموظفين بشكل انتقائي، فاقم الإضراب وأنتج تأخيراً حكمياً في تسديد الرواتب الهزيلة لنحو 92 ألف موظف وأجير ومتعاقد في الخدمة، ونحو 130 ألف عسكري، و120 ألف متقاعد. وبحسب مصادر في وزارة المال فإن «المهلة الزمنية المطلوبة لتحويل الرواتب فات أوانها»، مشيرة إلى أن الأمر لم يقتصر على ذلك، بل إن إقفال النظام المالي في الوزارة أدّى إلى شلّ قدرة الدولة على الإنفاق والجباية على كلّ الأراضي اللبنانية. وبالتوازي، توقّفت حركة استيراد وتصدير المواد الغذائية في بلد يستورد 80% من حاجاته الغذائية، إذ أضرب موظفو وزارة الزراعة في المرفأ للمرّة الأولى. وفي وزارة الصحة توقّف الموظفون عن العمل، ما عطّل، أمس، إمكانية إدخال وتسجيل الأدوية وعلى مدى الأيام الثلاثة الماضية تكدّست البضائع المستوردة على أرض المطار والمرفأ.
عملياً، يتحمّل ميقاتي ومنصوري المسؤولية عن هذا الوضع بكل تفاصيله.
8175 عدد الموظفين في ملاك الإدارة العامة
أما مشروع مرسوم الزيادات الموجود على طاولة مجلس الوزراء منذ 4 أشهر، فقد «أُشبع درساً» بحسب ما يُنقل عن نحاس، لكن الإضراب لم يبدأ إلا غداة محاولات ميقاتي ووزير المالية يوسف الخليل سعيهما لتأمين سيرورة قطاعات على حساب أخرى. «موظفو المالية طلبوا تأمين حوافز مالية خاصة بهم أسوةً بالقضاة والأساتذة»، بحسب ممثل وزارة المال في تجمع موظفي الإدارة العامة حسن وهبي الذي طالب الحكومة بـ«مصارحة اللبنانيين في حال أرادت المفاضلة بين الموظفين، فالسلف الخاصة بصرف الحوافز الإضافية تمرّ شهرياً في دوائر المالية، ويخلّصها موظفون لا يتقاضون سوى الراتب المضاعف 7 مرات لا تزيد قيمته على 200 دولار». وافق ميقاتي على طلب صرف الحوافز الإضافية لموظفي المالية، ورئاستي الحكومة والجمهورية، من سلفة خزينة قديمة لم تُصرف بالكامل. وبالفعل دفعت المالية للموظفين المشمولين حوافز بقيمة 300 دولار شهرياً عن شهر واحد فقط. ومن بعدها علت صرخة بقية موظفي القطاع العام، وبدأ الإضراب يعمّ الوزارات، فطلب ميقاتي من الخليل التوقف عن صرف الحوافز، فأُقفلت المالية بشكل تام.
في المقابل، لا يرى وهبي في الحوافز سوى «مبالغ إضافية تصرف بشكل مؤقّت إلى حين إقرار مرسوم الزيادة على الرواتب». أما الحل النهائي برأيه، فهو يكمن في «تعديل سلسلة الرتب والرواتب، وهذا الحل يرضي كلّ القطاع العام». ينقل وهبي عن ميقاتي «موافقته على طرح تجمّع الموظفين بتقسيط تصحيح السلسلة ابتداءً من 50% من قيمتها عام 2019، إنّما اشترط أن يكون التصحيح حصراً لموظفي الإدارة العامة، فعددهم قليل، واستثناء بقية الموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين». ميقاتي قال أمام وفد التجمع إنّ «إعادة 20% من قيمة الراتب إلى ما كانت عليه عام 2019 تؤدي إلى عجز بقيمة 2000 مليار ليرة شهرياً».
بالفعل، لا يزيد عدد الموظفين في ملاك الإدارة العامة على 8175 موظفاً، بحسب مسح مجلس الخدمة المدنية لعام 2022. ولكن طرح ميقاتي لا يُعدّ موافقةً، بل رفضاً بصيغة مواربة، وعودة للعب على وتر تقسيم الموظفين واستمالة جزء على حساب آخر. وفقاً لمجلس الخدمة المدنية، يبلغ عدد الموظفين في الملاك العام للوظيفة العامة، من غير العسكريين والقضاة، 26423 موظفاً، 18248 في السلك التعليمي، والبقية في الإدارة العامة، والطروحات التقسيمية ما هي إلا استجرار لإضراب قطاعات في وجه أخرى.