هذه التحاليل اللغويّة والتقنيّة حول مفهوم العلمانيّة تخوّلنا توضيح موقف جورج خضر منها. فهو يقبل بعلمانيّة تعني «الحكم المدني» ويرفض علمانيّة مرادفة للإلحاد تناهض الدين أو تتجاهله. فالحكم المدني يحافظ على التعدّدية الروحيّة ويضمن دورها فيما الـlaïcisme يقصي تأثير الدين ودوره. يضرب لنا خضر مثل الإمبراطوريّة البيزنطيّة للتكلّم عن الدولة العلمانيّة كحكم مدني. فالإمبراطوريّة لم تكن تيوقراطيّة، بل كان الحكم يساس بتناغم بين الدولة والدين. لم يحكم الإمبراطور الكنيسة، ولم تحكم هذه الإمبراطوريّة. أمّا الكثير من نماذج الحكم السياسي الإسلامي، فهي تنحو منحى مماثلاً: «تعلمت من المؤرخين المسلمين المعاصرين أن الفقهاء كانوا بعامة على مسافة من السياسة وأنهم كانوا وجدان الخلفاء». فحوى القول أنّ العلمانيّة كحكم مدني هي أحد الحلول التي يجب اعتمادها لحل مشكلة الطائفية، للحفاظ على التعدّدية الدينيّة وعلى التناغم السليم بين الدينيّات والسياسيّات. ولكن هذا الحل يبقى حلاً خارجيّاً، ضرورياً ولكنه غير كاف، لأنّ جذور المشكلة قابعة في النفوس: «العلمانيّة حلٌّ إداريٌّ
العلمانيّة كحكم مدني هي أحد الحلول التي يجب اعتمادها لحل مشكلة الطائفية والحفاظ على التعدّدية الدينيّة
ختام القول في هذا المقال أنّه على المسيحي اللبناني الإسهام بمجيء الحكم المدني، الضامن للتعددية، والمميّز بين الدينيّات والسياسيّات، والكفيل بالتوازن الطائفي السليم في لبنان. ويجب على المسيحيين أن يبقوا مصدر وحي للحياة السياسيّة للإسهام بتأطيرها ضمن خير الإنسان الزمني الأسمى: «لا بد من الشهادة لله في أمور دنياك بحيث تلتزم شؤونها فتنغمس في صفحاتها وتناضل وتغيّر فيها ما قدرت على ذلك... أنت تحمل الإنجيل في قلبك وتترجمه في الإنسانيّات، في الهيكليّات».
(الحلقة المقبلة: بولس الخوري)
* دكتور في الفلسفة