درجت في المشرق خلال السنوات الماضية عادةٌ تفسّر صعود الحركات الطائفية الكارهة على أنّها ردود فعل «طبيعية» على ممارسات الأنظمة وقمعها أو ظروف الحرب؛ كأنّما هناك سببية ميكانيكية بين أن تتعرّض لقمع النّظام في سوريا، مثلاً، وأن تتحوّل الى حركة اجراميّة اباديّة - في العقلية والخطاب والممارسة - لم يشهد العالم لها مثيلاً منذ صعود النّازيّة في اوروبّا (بالمناسبة، لم يكن كلّ داعمي النّازية في الغرب نازيّين وعنصريّين، وبعضهم كان يصرّ على أنّ النازية ليس فيها عنصرية، أو انّها حركة دفاعيّة مشروعة).
بالتّوازي، هناك اطروحات تحاول أن تلبس هذا المنطق رداء «اكاديمياً»، فترسم سرديّات ترجّع نشوء «النّصرة» و «داعش» وامثالها الى سياسات (قصديّة أو غير قصديّة) للنّظام، وهي كلّها تكرّر العناصر نفسها: اخراج المعتقلين الاسلاميين من السّجون، وتمرير مقاتلي القاعدة عبر سوريا الى العراق بين 2003 و 2006؛ كأنّ النّظام السوري كانت رغبته أن يتحرّر زهران علوش من الأسر، وأن ينشىء «جيش الاسلام»، الذي كاد أن يغزو دمشق. ومن المنطلق نفسه، فإنّ تركيا قد مرّرت، عبر أراضيها، أضعاف اضعاف الجهاديين الذين عبروا من سوريا الى العراق في الماضي، فلماذا لا يوجّه الاتهام اليها؟
هذا الخطاب التبريري، الذي يبدو عقلانيا من الخارج لمن يريد أن يصدّقه، ولكنّه يخلو من أي منطق داخلي، تُظهر تهافته حالة البحرين. في البحرين، نحن نتكلّم على تمييز طائفي بالمعنى الرّسمي والعلني، ونظام يرعى الطائفية ويعتمد عليها بلا خجل. في البحرين، لا يتوقّع النّظام منك الامتثال فحسب، بل هو يذهب اليك ويتحرّش بك ولا يتركك في حالك - ان كنت من الطائفة الخطأ - ويطلب منك اثبات الولاء حتّى تحافظ على وظيفتك وحريّتك؛ أي إنّه يعادي النّاس ويشعرهم بالتمييز سواء كانوا مسيسين أو لا تهمهم السياسة. يكفي أن تراقب خطاب الموالين للنّظام (بحارنة وعرب) وكلامهم الطّائفي الفاحش في منتدياتهم ومناشيرهم، حتّى تفهم أنّ كلّ عناصر «الحالة السورية» متوافرة على نحو أكثر وضوحاً في البحرين. وفوق ذلك كلّه، البحرين فيها، أصلاً، انقسام طائفي على المستوى الاجتماعي والديمغرافي، وان قال لك أحدهم أن الشيعة والسنة في البلد متيّمون بعضهم ببعض فهو يكذب عليك.
انظروا، بالمقابل، الى خطاب المعارضة البحرينية وأدبياتها وتظاهراتها، لن تجد كلمةً طائفية واحدة، لن تجد شعاراً غير وطني، ولا علماً غير العلم البحريني. بعد سنوات من التظاهر والقمع الشديد، لم ينحرف المعارضون، حتّى حين جرى احتلال بلادهم بالقوة؛ ولم يطلبوا تدخّلاً ايرانيا، مثلاً، ولا نجدةً من الشيعة حول العالم. هذا مردّه ليس إلى قلّة الحوافز، بل العقلانية والوعي وفهم المسافة بين التخطيط السياسي المسؤول وردّات الفعل الهدامة. لهذا السبب تحديداً، تبقى الانتفاضة في البحرين مستمرّة وصلبة برغم غياب الدعم وتكالب الأعداء، ولهذا السبب ايضاً فإنّ المستقبل، مهما اشتدّت المحنة، هو لها.
12 تعليق
التعليقات
-
البحرين.. بلاد الفورمولا واحدمقال جيد..واخيرا تذكر الاعلام العربي البحرين انتفاضتها معاناتها تضحياتها..البحرين فى الاعلام العربى..بلادالفورمولا واحد.
-
كلام جرئللحق كلام الكاتب موفق وواقعي لكل صاحب عقل، قد يكون نظام ال خليفة هو الاكثر عنصرية وطائفية بعد الكيان الصهيواني لان التجنيس والهدف منه هو الغاء الهوية الحقيقة للبحرين وشعبها وتكوين مقابل من خليط من الاجانب الاغراب ... وال خليفة ليست لها صلة بالبحرين لأنهم جائو محتلين مع بعض القبائل العربية من صحراء نجد وساحل قطر والتي تعتبر البحرين هي غنيمة حرب، لذا لا تستغرب ان ينظر لها الشعب على انها عصابة من قطاع الطرق
-
شكراً رفيق عامــرشكراً رفيق عامــر
-
إلی إيهاب القدوميأنت تكذب علی نفسك. حتى تقارير الخارجية الأمريكية التي هي حليف للنظام تعترف بسياسات التمييز والإقصاء الطائفي للشيعة. جيش من طائفة واحدة، وأجهزة أمنية من طائفة واحدة، جهاز قضائي من طائفة واحدة، جهاز إعلامي من طائفة واحدة، المناصب الإدارية والسيادية تسيطر عليها طائفة واحدة، سفراء من طائفة واحدة، مؤسسات إقتصادية تهيمن عليها طائفة واحدة. كل هذا ولا يوجد طائفية ضد الشيعة؟ هذا نظام فصل عنصري بحق وحقيق.
-
انا مقيم اردني في البحرين منذانا مقيم اردني في البحرين منذ ١١ سنه ومن خلال قرائتي للمقال توقعت اك تتحدث عن مكان اخر ،، انا مناكد ان ودي لن ينشر لانه يخالف توجهكم السياسي والطائفي الذي تحدثتم عنه ، انا اعمل في شركه حكوميه وغالبية الموظفين من الطائفه الشيعيه المحترمه وبينهم ولا يوجد اي تمييز بين سني وشيعي الا للكسالى والمتلاعبين والمتهربين عن اداء عملهم فقط نقرأ هذا الامر في صحفكم ولكن لا نراه على ارض الواقع وللعلم رئيس الشركه من الطائفه السنيه ولا يوجد اي تمييز او تفرقه
-
ثورة البحرين و الثورات الأخرى...معلومات جديدة مفيدة ، و مقارنة صادقة موجعة ..... لكن لا بأس .... فأروع الكلام ذاك الذي يوجعنا و يرتقي بمعرفتنا.
-
البحرينانشاء الله ربنا ينصرهم و يعوضهم على صبرهم ( وان تنصروا الله ينصركم و يثبت اقدامكم)
-
فقط للتوضيح: البحارنة همفقط للتوضيح: البحارنة هم العرب الشيعة سكان البحرين الأصليين الذين ينتمون إلی قبيلة عبدالقيس، أما الموالون للنظام فهم خليط من القبائل القطرية والسعودية "شاركوا مع آل خليفة في غزو واحتلال البحرين سنة 1783" والهولة "فرس سنة" وأفارقة بالإضافة إلی المستوطنين الجدد اليمنيين والسوريين والأردنيين والباكستانيين والبلوش