يُقال إنّ الشاه الأخير لإيران كان لا يعرف ما يجري في الشارع خارج قصره، لكنّه كان قادراً على مناقشة الخبراء ساعات في مواضيع تخصّصية، كصناعة النّفط وانتاج الفولاذ والطّيران الحربي. من يقرأ كتاب محمّد رضا بهلوي «قصّة الشّاه»، يكتشف أن الرّجل لم يولد ليكون طاغية، أو ليدخل السياسة في المقام الأول، بل هو ببساطة مراهقٌ مهووسٌ بالتقانة وبالأرقام، تماماً كالشبّان ذوي النظارات السميكة، الذين يملأون كليات الهندسة. إلّا أنّ الوراثة ـــــ والارادة الخارجية ـــــ جعلتا منه امبراطوراً. في كتابه، الذي نشره بُعيد اخراجه من الحكم، لا تجد، في فصول كثيرة، أي أثر للسياسة أو للمجتمع، بل تعدادٌ لا ينتهي لارتفاع السد الذي بناه الشاه، وطول الطرق التي شقها الشاه، وترتيب ايران عالمياً في انتاج هذه المادة أو تلك. مفهوم «القوميّة ـــــ التقنية» (techno-nationalism) يجد تعبيره الأقصى، والأكثر رثاثةً، في نظرة الشاه المخلوع الى السياسة والتنمية.
غير أنّ قلب الشّاه كان في المكان الصحيح. لا يمكن أيّ انسان أن يتنطّح للحكم وللشأن العام بغير أن يملك دراية ـــــ بل وشغفاً ـــــ بتقنيات المشاريع الكبرى، التي تمثّل البنية التحتيّة للدولة الحديثة وانعكاسها المباشر في العالم المادّي. أمّا في حالة الأمم التي لا تزال في طور التكوّن، فإنّ تكنولوجيا التنمية تصبح بأهمية تكنولوجيا السياسة. ومن يعرف شيئاً عن التقنيات التي تهزم الطبيعة وتمثّل الجغرافيا وتبني الأمم، فلا بدّ له أن يقع في حبّ أبدع هذه الوسائل وأعرقها: القطار والسكة الحديد.
في 1879، كتب كارل ماركس عن القطار، مشيراً إلى أنّ مد خطوط الحديد هو العلامة الأساس على نشوء اقتصاد صناعيّ حديث، واصفاً القطار بـ«درّة العقد» في الرأسمالية الصناعية. أيّام ماركس، كان القطار في قمّة مجده، لم تكن الطرق السيارة والعربات الشخصية قد راجت بعد، وكانت سكك الحديد هي الوسيلة الوحيدة لنقل البضائع والركاب بكميّات تجارية ولمسافات بعيدة. في أواخر القرن التاسع عشر، كان وصل قرية أو مدينة بالقطار يعني دمجها بالاقتصاد الكوني المعولم، فيما كلّ ناحية من العالم لم تصلها السكة كانت لا تزال تعيش ـــــ بكل المقاييس ـــــ في القرن السابق. السكة الحديد بنت اقتصاداً وطنياً للأمّة الألمانية الوليدة، وألمانيا تمكّنت من القتال بفعاليّة على جبهتين خلال الحرب العالمية الأولى لأنّها كانت تملك شبكة قطارات تمكّنها من نقل ثلاثين فرقة بين الجبهة الشرقية والغربية خلال ساعات ـــــ حينما تدعو الحاجة. في الحقيقة، فإنّ كلّ خطط المانيا الحربية، التي كانت تتحسّب لقيام حرب ضد فرنسا وروسيا في آن واحد، كانت تعتمد على فعالية شبكة القطارات الالمانية. «خطّة شليفين»، التي عدّلت لتصبح «خطّة مولتكة»، صمّمها جنرالات القيصر حتّى يهزم الجيش الالماني فرنسا بسرعة، ويخرجها من الحرب خلال اسابيع، ثمّ ينقل ملايين الجنود الى الجبهة الشرقية للتفرّغ للعدوّ الأخطر والأطول نفساً: روسيا.
حين أراد قياصرة روسيا أن يبنوا دولةً مركزيّة، شقّوا خطّاً حديدياً عبر سيبيريا يصل موسكو بفلاديفوستوك. أغلب المدن والبلدات في الداخل الأميركي ولدت مع بناء خطً السكة العظيم ـــــ الّذي وصل ساحلي القارّة ـــــ وانتشرت على طول خطّ سيره. صار بالإمكان أن يسافر المرء بين نيويورك وسان فرانسيسكو (ابتداءاً من 1869) خلال أقلّ من اسبوع، بدلاً من رحلة برية تستغرق أشهراً على طرقات غير معبّدة وجبال تُغلق الثلوج ممرّاتها أشهراً في السّنة.
أعجوبة الحداثة
من أهمّ ميّزات القطار أنّه استوعب كلّ ابتكارات الحداثة وتطوّر معها وواكب جديدها. أنت حين تستقلّ قطار ركاب سريعاً في فرنسا أو اسبانيا أو اليابان اليوم، فإنّك ستطوي المسافات بسرعة يفوق معدّلها ـــــ في كثير من الأحيان ـــــ 300 كيلومتر في الساعة، أي السرعة نفسها التي يبلغها متسابقو الفورمولا واحد على الحلبة في لحظات الجموح المجنونة. أمّا آخر الصيحات في عالم القطارات، التي لم يجر اعتمادها بعد على نطاق واسع، فهي تقنية «الماغلف»: قطارٌ يطير على وسادة مغناطيسيّة، فلا يلامس السكة، بل يعلوها بأشبار بقوّة التناذر المغناطيسي. ولأنّ قطار «الماغلف» لا يحتكّ بالسّكة، فإنّ الحدّ الوحيد لسرعته هو مقاومة الهواء، بمعنى آخر، يمكن هذا القطار أن يبلغ سرعات تقارن بالطائرة (النماذج الحالية تسير بين 450 ــ 600 كيلومتر في الساعة).
إن شاء أحدٌ أن يُعطي سبباً عقلانياً بارداً حتى نحب القطارات، فهو التالي: اذا أردت أن تنقل أي شيء، بشراً أو جماداً، في رحلة شعاعها 800 كيلومتر، فإنّ القطار يبقى الوسيلة الأفعل والأسهل والأكثر توفيراً من بين كلّ البدائل المتاحة. بصياغة مختلفة: في أغلب الحالات وفي أغلب الأماكن، لا يوجد أي سبب لأيّ بلد حتّى لا يبني قطاراً، ولا توجد أي وسيلة نقل تزاوج بين فعالية القطار وسرعته. لولا القطار، لما تمكنت اميركا اليوم من نقل الفحم، بعشرات ملايين الأطنان سنوياً، من المناجم في الولايات الشمالية الى معامل الطاقة في الشرق والجنوب. لا شيء كالقطار يسمح بنقل أعداد مهولة من البشر بين المدن وداخلها، الطرق السيارة والأوتوسترادات سيخنقها الاكتظاظ قبل أن تنقل عُشر كمية الناس والبضائع التي يتيحها خطّ قطارات مزدوج (ونعرف، من هنا، أنّ بيروت، مثلاً، ستبقى مدينةً فاشلة حتّى يصير فيها نقلٌ عام وخطوط مترو، إذ ليس بإمكان أي مدينة في العالم، ولو كانت مساحتها أضعاف بيروت، أن تتعايش مع مليون سيارة).
حتّى اليوم، لم تزل للقطارات قيمة رمزيّة لا يستهان بها. حين أرادت الصين أن تثبّت مكانها بين الدول الصناعية المتقدمة، بدأت بشقّ أكبر شبكة للقطارات فائقة السرعة في التاريخ. حين بدأت الصين بالبناء، في 2004، لم تكن تملك كيلومتراً واحداً من خطوط القطارات السريعة، اليوم، تمتدّ هذه الشبكة على أكثر من عشرة آلاف كيلومتر، أي ما يفوق ما بنته باقي دول العالم مجتمعة.
لكنّك إن رمت المثال الأرقى والأكثر ابهاراً لعمل القطارات، فعليك أن تقصد اليابانيين. مجرّد فكرة ربط اليابان بخطّ سريع تبدو مجنونة للوهلة الأولى: بلدٌ مؤلف من جزر، أغلب سكّانه يتمركزون على سواحل متعرّجة، والجزر تخترقها عشرات السلاسل الجبلية، وليس فيها سهولٌ ممتدّة يمكن أن يمدّ عبرها خطّ مستقيم، لكنّ اليابانيّين خطّطوا، منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، لقهر الطبيعة وربط قطبي اليابان، طوكيو وأوساكا، بقطار سريع يمتدّ على أكثر من خمسمئة كيلومتر. خطّ «شينكانسن» الأوّل افتتح في 1964، والشبكة اليوم تغطي اليابان على طوله، والرحلة بين طوكيو وأوساكا تستغرق ساعتين ونصف ساعة. الإبهار الياباني لا يتجلّى في التحدّي الهندسي، ولا في تكنولوجيا قطاراتهم، التي ظلّت الأحدث والأسرع عالميّاً، بل في أنّهم ابتكروا نظاماً ينقل مئات الملايين من البشر سنويّاً بدقة وفعاليّة لا مثيل لهما في العالم. قطارات الشينكانسن اليابانيّة تصل الى محطّاتها ضمن ستّ ثوانٍ من موعدها، كمعدّل، ومنذ افتتاح الشينكانسن منذ ما يقرب من نصف قرن، لم تحصل حادثة قطار مميتة واحدة. بالمقارنة، استلزم القطار السريع الصيني بضعة أشهر بعد افتتاحه حتّى يشهد أول حادثة تصادم كبيرة قُتل فيها العشرات. ما هو أهمّ: الشركة التي تدير خطّ «توكايدو» بين طوكيو وأوساكا هي شركة رابحة، وهي ستبني خطّاً جديداً بين المدينتين بتمويلها الخاصّ. الخط الجديد سيكون من نوع «ماغلف»، ستفوق سرعته الخمسمئة كيلومتر في الساعة، وسيكون أكثر من 60% من مساره في أنفاق تشقّ تحت الأرض أو في بواطن الجبال.
التنمية والسياسة
ما هي العلاقة بين القطارات والسياسة؟ بلادنا مثالٌ ساطع: من وجهة النظر الموضوعيّة، يبدو المشرق العربي مكاناً مثالياً لبناء السكك الحديد. بلاد منبسطة، أغلب سكّانها يتمركزون في جزر مدنيّة، كالواحات، تفصلها الصحاري بعضها عن بعض. وقدر هذه المراكز الحضرية، عبر التاريخ، كان في أن تزدهر عبر التواصل في ما بينها ومع العالم الأرحب ـــــ الّا أنّك لن تجد خطّاً حديثاً واحداً بين إسطنبول والصين. في بلادنا، القطارات تتكلّم بغيابها، وتروي مشاريعها المندثرة ـــــ كخطّ الحجاز ـــــ جزءاً من قصّة فشلنا في أن نصير دولاً حقيقية.
بذلت، في العقود الماضية، مجهودات هائلة لطمس أيّ تفكير تنمويّ عند العرب ينطلق من قواعد محليّة. ليست هناك منطقة في العالم ـــــ باستثناء أفريقيا ـــــ يصل نفوذ المؤسسات الدولية فيها إلى المبلغ نفسه في تخطيط المستقبل الاقتصادي والتنظير للتنمية واحتكار اصدار التقارير والداتا «الموثقة» الّتي تقوم عليها الدراسات.
سُحقت كلّ نظرة تنموية بديلة لليبراليّة السوق المنتصرة (أو حتّى مكمّلة لها) في اطار نقد الاشتراكيّة و«مصائبها» ـــــ وهذا صار فنّاً لدى الأكاديميين والكتّاب في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. حتّى سنوات قليلة مضت، كان على كلّ دارسي اقتصاد الشرق الأوسط في المعاهد الأميركية الابتداء بكتاب آلن ريتشاردز وجون واتربوري (الرئيس السابق للجامعة الأميركية في بيروت)، والكتاب يشرح عملياً كيف أنّ الاشتراكية دمّرت اقتصادات المنطقة، وأنّ اصلاحات السوق هي التي ستنقذها. شيطنة الاشتراكية وتأريخها في بلادنا يمثلان بحد ذاتهما موضوعاً مستقلاً: في أغلب البلدان العربية، كمصر مثلاً، لم تطبَّق الاشتراكية بالمعنى الفعلي لأكثر من عقد ونيّف، تبعته عقودٌ ثلاثة من الاصلاحات الليبراليّة، لكنّ النخبة لا تزال الى اليوم (كما كان يفعل السادات) تحمّل الاشتراكية مسؤولية الوضع الاقتصادي (بالمناسبة، إنّ الدراسات الاقتصادية الجدية التي تنشر أخيراً عن سياسات عبد الناصر التنموية تخرج، غالباً، بتقويم مختلف تماماً عن السردية الليبرالية السائدة والمكرّسة).
الهيمنة الثقافية لخطاب البنك الدولي وصندوق النقد يجب ألّا تعمينا، فنتوهّم أنّ لهذه المؤسسات نظرية اقتصادية متماسكة ومجرّبة. عدا مصادرة القرار الاقتصادي المحلّي، واجبار دول المنطقة على اتخاذ السياسات السوقية التي يطلبها النظام الاقتصادي العالمي في حينه، فإنّ المؤسسات الدولية الليبرالية لم تقدّم إلينا خطاباً متّسقاً عن التنمية، بل رحلةً في الغيبيات لمجموعة من المنظرين/ الموظّفين تحاول باستمرار مداراة فشل سياساتها وتبرير وجودها ورواتبها العالية. حين ذهبت الى الولايات المتحدة للدراسة، في أوائل الألفية، كان البنك الدولي لا يزال متمسّكاً بالنسخة الأصولية من سياسات «توافق واشنطن»، على طريقة اصلاحات جيفري ساكس: تحرير الأسواق كهدف بذاته، اصلاحات هيكلية متشابهة في كلّ مكان، تقليص الدولة واخراجها من كلّ المجالات. بعدها بسنوات قليلة، ومع تكشّف الفشل الكارثي للسياسات الاقتصادية الليبرالية من الأرجنتين الى أفريقيا، تجد منظرّي البنك الدولي وقد قرروا الدخول في حلقة نقد ذاتي، والابتعاد عن المفاهيم «التبسيطية» للاصلاح، واعتنقوا جماعياً المدرسة المؤسسية الجديدة كبديل نظريّ عن الأصولية الليبرالية التي صار يصعب الدفاع عنها. بدأ اقتصاديو البنك باقتباس ثيدا سكوتشبول ودوغلاس نورث (اباء المدرسة المؤسسية)، بسبب وبلا سبب، وبالكلام عن «نقل الخبرات بدلاً من الرساميل»، وشعارات أخرى كثيرة لا تغني عن تنمية وعن مفهوم حقيقي للاقتصاد السياسي. ثمّ، في السنوات الأخيرة وبعد حرب العراق، خفت وهج المدرسة المؤسسية، وبدأت تيارات جديدة تظهر في أدبيات المنظمات الدولية وتتكلّم عن التنمية المجتمعية و«التنمية من تحت»، لكن ليس ضمن مفهوم تشاركيّ توزيعيّ كما قد يتوهّم القارئ، بل على اساس أنّ الاصلاحات الاقتصادية التي تقودها المنظمات العتيدة ستعيد تشكيل ميزان القوى المجتمعية على نحو يخدم «الدمقرطة» ـــــ التي دخلت، فجأة، الى معجم المنظمات الاقتصادية. فصارت المنظمات الدولية لا تكتفي بمصادرة القرار الاقتصادي الوطني فقط، بل تتورّط أيضاً في مشاريع «هندسة سياسية» للمجتمعات التي شاء القدر، وحظّها العاثر، أن تقع بين أيدي هؤلاء الموظّفين.
أكثر ما يزعجني شخصياً، في كلّ هذه التقلبات الايديولوجية، هو أنّ أيّاً منها لن يبني لنا قطارات، كما قال ماركس في القرن التاسع عشر، القطار هو تتويجٌ للنجاح الاقتصادي الصناعي، لا مسبّب له، وهو العلامة على بناء سوق وطنيّة ناجحة. كلّ خبرات البنك الدولي والمنظمات الشبيهة تسخّر من أجل ادامة الوضع القائم، فيما من ينظر الى منطقتنا يدرك بسرعة أنّ اقتصادها «سياسيّ» بالدرجة الأولى، وأنّه لا حياة ولا مستقبل لشعوبها الّا بادخال تغييرات جذرية على الواقع وعلى الخريطة.
حين نتكلّم عن «سايكس ـــــ بيكو» وعمّا يمثّله المشروع التقسيمي، فإنّنا غالباً ما نركّز على الجانب السياسي ونغفل التأثيرات الحقيقية والملموسة والمعيشة لهذا التقسيم. ما خنق مدينة حلب في القرن الماضي، مثلاً، كان سايكس ـــــ بيكو، إذ أصبح القسم الأكبر من ريف حلب فجأة في تركيا، وما هي المدينة الا وحدة انتاج يحيط بها ريفٌ يرفدها؟ السياسة العربيّة أكملت مفاعيل الحرب العالمية الأولى، فخلق «الأخوة» البعثيون في سوريا والعراق عزلةً حضارية واجتماعية لم يعرف البلدان نظيراً لها منذ قرون، فصارت الموصل والجزيرة وحلب تعيش في عوالم مختلفة، بدلاً من أن تكون جزءاً من دورة اجتماعية متّصلة.
حين كتب الكسندر غرشنكرون عن التنمية والتصنيع، ابتدع مفهوم «أفضلية التخلّف»، بمعنى أنّ الدول المتأخرة تنموياً قادرة بالذات بسبب تخلفها على النموّ على نحو أسرع بكثير من الدول المتقدمة. في الدول المتأخرة، يكون عائد المشاريع المفيدة أعلى بكثير من نظيراتها في الدول الغنيّة، وتكون كلفتها أقلّ. في اليابان، لن يغيّر بناء خطّ شينكانسن ثانٍ بين طوكيو وأوساكا شيئاً كثيراً في بنية الاقتصاد، كلّ ما سيفعله هو أنّه سيخفض مدّة الرحلة بين المدينتين من ساعتين ونصف ساعة الى ساعة ونيّف، بل إنّ تأثيره سيكون متواضعاً بالقياس على كلفته الهائلة (يمكنك أن تربط كل أفريقيا بسكك الحديد بكلفة خمسمئة كيلومتر من الخطوط في اليابان أو بريطانيا). تخيّلوا، بالمقارنة، التأثير الذي قد يحدثه قطارٌ حديث بين دمشق وبغداد، يصل العاصمتين في ثلاث ساعات وبكلفة منخفضة؟ لن يحوّل حدث مماثل مسار الاقتصاد والتجارة الاقليمية فحسب، بل سيؤدّي أيضاً الى تغييرات حقيقية في الديموغرافيا وفي الثقافة بالمشرق. وبالمنطق نفسه، فإنّ شبكة قطارات كفوءة قد تجعل من المشرق العربيّ معبراً للبضائع بين الصين واوروبا. ستتمكّن السفن القادمة من الصين وآسيا من افراغ حمولاتها جنوب البصرة، كما كانت تفعل قبل قرون، حتّى يتم نقلها الى أوروبا بالقطار خلال أقل من يومين، موفّرةً اسابيع في البحر. وهناك بالفعل خططٌ موضوعة لوصل غرب الصين بآسيا الوسطى، ثمّ ايران، وبعدها اوروبا مباشرةً بالقطار.
هذه الأحلام والاحتمالات تبقى، بالطبع، أسيرة البيئة السياسية والرؤى التي تمثّل واقعنا. القطارات، كمشاريع التنمية وبناء الأمم، لا تأتي من تلقاء نفسها، بل هي نتاج جهد بشريّ ومخيّلة سياسية تهزم الجغرافيا وتغيّر مجرى التاريخ. وحين تنادي الطوائف أتباعها ويظهر الوهن الكامن في المجتمع، كما تشهد بلادنا اليوم، تضحي إمكان تخيّل مستقبل مختلف مسألة حياة أو موت. حين تتحدّانا الطّوائف والقبائل، يضحي أمامنا خياران: إمّا أن ننضمّ اليها، أو أن نخترع وطناً أكبر منها وأقوى.
* طالب دكتوراه علوم سياسية
في جامعة كاليفورنيا ــ بيركلي
17 تعليق
التعليقات
-
مقال رائعلم أكن أدري مدا أهمية القطارات في نمو الحضارة . شكرا على الجهد المبذول في بحث هذا الموضوع
-
استعرض عضلات ثقافية فقطالمقال سمك لبن تمر هندي . ستعرض الكاتب ثقافته و هي سهلة المنال يمكن أن تفتح أي موسوعة عن القطار لتجد المعلومات التي فردها بنصف صفحة . ثانياً هي مثال عن طريقة تفكير الماركسيين الذين يرفعون رأسهم للسماء ليشموا هواء الثقافات ثم يكتشفون أن أقدامهم تقف بالفراغ فيقعون و تدك اعناقهم . فهو يشرق و يغرب بتاريخ القطارات و ينسى أن يذكر كلمة عن خط حديد الحجاز الذي نفذه السلطان عبد الحميد . و نشروع خط حديد برلين بغداد . لماذا ينسى لأن عبجد الحميد ظلامي متخلف دكتاتوري ....الخ . ماذا يريد من كل هذا . يصعب فهم ذلك . فالمشاريع التنوية تحتاج إلى انظمة وطنية لتنفذها . هل تجد في بغداد و دمشق اليوم هكذا أنظمة ؟ لا حول و لا قوة إلا بالله !
-
قطاراتاحلام اليقضة جميلة وقد يحتاجها المرء احيانا قطرات في وقت ما زلنا في الزواريب نتفاتل نفتي بعضنا بعضا لن هذا اليوم يا استاذ عامر ولن يصبح الحلم حقيقة ببساطة ليس فينا رجل واحد عاقل رشيد زعمائنا رجال عشائر وقبائل سكنوا القصور همهم اسفلهم لا ينظرون الى فوق كفر ما جئت به وزندقة ما جئت به واستغفر لذنبك فقد نكأت جرحا ملتهبا لا سامحك الله.
-
تكلم تعرفبعيداً عن عفونة السياسة وتهريج اللبنانيين في الشوارع وفي أزقة العالم الإفتراضي حيث صار "الرغي" والإسفاف "ملح الرجال". وكأن البعض صار عنده إسهال في الكلام، فلا تخطر على باله كلمة إلا و يتقيأها على الكيبورد. وبعيداً أيضاً عن تفاهات ما يسمى صحافة وتشدق أشباه الصحفيين... هذه أفضل مقالة أقرؤها منذ سنوات تشفع لترهات كتاب السياسة في الأخبار
-
هكذا تهزم الجغرافيا، ولكن متى تزول حجب القلوب؟ 3فإما أن تكون الدولة عاجزة، وإما أنها قادرة وغير ملزمة حكما وعقلا(بحسب منطق وطبيعة الأمور)وإما أنها قادرة وملزَمة بما يتم وضعه على عاتقها.ولكنها لن تصبح قادرة إن ظن أنها كذلك وعلى خلاف الحقيقة؛وإن كانت قادرة، فإنها ليست ملزمة لمن لم يساهم فيها، وإن ظن أن له حق عليها وأنها ملزمة بتأديته ووفائه.فالمهم أنه لا يحق لمن يحتاج الآخرين أن يملي عليهم شروطه. هناك حالة واحدة تكون الدولة مع القدرة ملزمة، هي الحالة، أمام من ساهم فيها وشكل أحد مكوناتها، ومن لا يعجبه الوضع ويرى أن حقوقه مهضومة وأنه مغبون، فليس أمامه إلا الخروج من إطار الدولة، والبحث عن شكل آخر، أي ربما عن نظام أو إطار خاص به ومستقل، وأن يبادر إلى تأمين الخدمات التي يحتاجها بتفسه.ربما يأتي من يقول بعدم جواز الإنفصال والشرذمة والتفكك...وإلخ ويرفض ذلك، وأما أنا فأقول أن الفاشل مع الوحدة سيكون فاشلا مع التشرذم والإنقسام. وإذا بقي الناس على حال لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها، فسيبقى الحقد ويزداد الإحتقان وتتفاقم المشاكل مع الهواجس والمخاوف من بعض عند البعض الآخر، وبالتالي الإستقواء بالآخرين، والسقوط بالفتنة التي لن تؤدي إلى غير الهلاك، هي النتيجة. هكذا تهزم الجغرافيا، ولكن متى تزول حجب القلوب وتبنى الخطوط ليصل نور العلم والوعي إليها؟متى تبدء الآذان بالسمع والعيون بالإبصار؟ أللهم أغث المظلومين المقهورين المستضعفين في البحرين وسائر بقاع الأرض وفرج عنهم برحمتك يامغيث المستغيثين ومعين الضعفاء يا أرحم الراحمين أللهم صل على محمد وعجل فرجهم
-
هكذا تهزم الجغرافيا، ولكن متى تزول حجب القلوب؟ 2وإن كانت جمعية خيرية، فلن يجدي الإتكال والرهان على بقائها واستمرارها في تقديم الخدمات...وإلخ، إن لم يُأخَذ بعين الإعتبار شرط أنها تحتاج إلى موارد وإمكانيات ومقومات...وإلخ. أيا تكن حقيقة الدولة، أي دولة، فستبقى عاجزة وإن تُوُهّم أنها تستطيع المعجزات وأنها مقصرة قد تخلت عن واجباتها وتهربت من مسؤوليتها وأداء دورها.ستبقى غير مؤهلة، وإن منعت الغفلة والجهل كثرا من فهم ذلك وإدراكه. إذا كان يوجد كثر يظنون أن الدولة تملك المال بما يمكنها من إنشاء المشاريع وتديم الخدمات وإنجاز المعجزات، فغن ذلك وحده لا يكفي، لأن المال يحتاح إلى رؤى وخبرات ومهارات وكوادر لتوظيفه وتنميته، والعقبة جراء عدم توفرهم، لن يلغيها الجهل والغفلة والعجز عن رؤيتها وإدراكها. لا تمثل الآمال سوى شيكات بدون أرصدة، مثلها مثل انتظار من ثبت فشلهم وإخفاقهم، والذين لا معنى ولا جدوى من وجودهم ولا حاجة لهم، كون أن الذي أخذوه على عاتقهم، يحتاج إلى أشخاص غيرهم، وبالتالي هم يرومون ما ليس لهم بحق، وبذلك هم أيضا مثل شيكات بلا رصيد. ليست المشكلكة في تفليص وإخراج الدولة من كل المجالات.ليُنظر إلى المسؤولين في الدولة من موقع أنهم بشر وبصفتهم كذلك وبدون إسقاط أي مفهوم أو حكم مسبق أو إسقاط تعظيم الدولة وهالتها عليهم.من الضروري الحذر من طاغوت الدولة وأن تكون بمثابة فتنة عن وعي وفعم حقيقة أن الناس هم من يتحمل المسؤولية. لينظر إلى مسألة التنمية بموضوعية، وانها تحتاج إلا أكفاء، ولا يجوز الإنشعال بوهم عجز المسؤولين وفقدانهم المؤهلات أو تقصيرهم وإهمالهم وتجاهلهم وتخليهم عن مسؤولياتهم.
-
هكذا تهزم الجغرافيا، ولكن متى تزول حجب القلوب؟بسم الله الرحمان الرحيم أللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم من سمع مناديا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم لا بد من التنبيه إلى أن من الظلم تحميل أحد ما أكثر من طاقته، ومن غير الجائز الطلب من الآخرين تقديم ما لا طاقة لهم به.فعلى من يطالبهم بمشاريع، وحتى لا يقع في الظلم وبالتالي يوجب لنفسه السقوط بالفتنة، أن يتحقق من قدراتهم وطاقاتهم وإذا ما كانوا ملزمين بالسعي لغير أنفسهم.من غير العدل أن يأتي أحد ويطلب من الآخرين ما ليس بنفسه غير متمكن منه، وأن يحملهم مسئولية ما يتوهم على أساس حكم مسبق، أنهم فادرون على حمله ومتمكنون منه. ثمة حاجة إلى البحث عن فهم صحيح وموحد، متعارف عليه عند الجميع.فإما أن يكون لكل فريق فهمه الخاص به لها(الدولة)، وإما أنها كائن ليبرالي بثوب الدولة، وإما جمعية خيرية، وإما مؤسسة متعهدة قد اخذ أعضائها على عاتقهم توفير ما يُطلب منهم من خدمات ومشاريع وتوفير فرص عمل لقاء مقابل(أجر متفق عليه)وإما أنها تعريف لنظم أمر سعي الساعين في سبيل تأمين ما يحتاجوه من منطلبات ليتقووا على الحياة ويتفادوا المشاكل والصعاب والآلام والمعاناة. لا بد من الإنطلاق من مسلمة، أن الواقع يبقى كما هو ولا يتحول طبقا لما يُتصور في الأذهان هنا وهناك، وكذلك لا يجدي النظر إلى الواقع كما هو ولكن مع الجهل أو الغفلة عن أمور وشروط تتصل به.فالدولة ستبقى كائن ليبرالي(على فرض أنها هكذا)، ولن تتحول إلى جمعية خيرية في حال تم تصورها كذلك.
-
شكرا أستاذ عامريحمل كثيرون لقب "دكتور" لكن ليس كلهم يستحق هذا اللقب وبعضهم لا يحمله لكنه يستحقه بجدارة أنت نموذج أستاذ(دكتور) عامر, لأن المثقف ليس فقط يجب عليه حمل هموم أمته بإخلاص بل يجب أن يعرف كيف تنهض أمته..فتحية لك ولكن في موضوع القطارات هناك مسألة يجب الإنتباه إليها إذ أن بناء قطار أمر مهم لكن الأهم أن بناء القطار يجب أن يتم بقدرة ذاتية, دول الخليج مثلا تمتلك أهم المباني وأفخرها وتشتري السلاح ووو.. لدى العرب أكثر من قمر إصطناعي لكنهم لم يطلقوا أي منها من أراضيهم كل ما هنالك أنهم أمتلكوا المال الكافي ليشتروا قمرا وتطلقه لهم روسيا أو... هذا كله لا يجعل من دول الخليج دول راقية.. في الحقيقة إن قمر صناعي أو قطار قد تبنيه دولة بقدرة ذاتية أهم من كل أقمار العرب وقطاراتهم(كالقمر الصناعي الصغير الذي أطلقه الإيرانيين من فترة فهو صنع من شباب جامعي إيراني وأطلق بصاروخ محلي وقد أعلن الإيرانيين وصولهم إلى مرحلة الإكتفاء الذاتي في تصنيع الأقمار..) تحية لك أستاذ عامر..ننتظر مقالتك المقبلة بشغف
-
القطار سبب للنمو المستدام، لا نتيجة لهبغض النظر عن ما تخلقه سكك الحديد من نمو ثقافي اجتماعي واقتصادي في المنطقة ككل عبر زيادة التواصل بين المدن والبلدان وخفض كلفة نقل المسافرين والبضائع، فان المشروع يشكل اضافة على الصعيد الداخلي ايضا..الفروقات بين اسعار الشقق في بيروت والمناطق مثلا ستتضائل تدريجيا بسبب انخفاض الضغط على العاصمة وبناها التحتية(تخيل رحلة من بيروت الى الهرمل طرابلس او الخيام باقل من ساعة). الانماء المتوازن سيصبح حقيقة ملموسة لا مجرد شعارات انتخابية(سيفضل ابناء القرى ان يسكنوا في قراهم ويذهبوا الى اعمالهم في العاصمة ما سيؤدي الى تحسن الحركة الاقتصادية في القرى ومدن الاطراف وقد يؤدي الى حركة الرأسمال بالاتجاه المعاكس اذ يتمكن المستثمر من السكن في مدينة والاستثمار الجدي في اخرى) وسيخفف هذا من المشكلات الاجتماعية والضغوط في العاصمة كما في مدن الاطراف مع زادة في فرص العمل والمشاريع الانتاجية (امكانية تصدير المزروعات -زراعات بديلة مثلا- من عكار والشمال وامكانية انشاء المصانع بعيدا عن العاصمة للاستفادة من اليد العملة الرخيصة والتخفيف من التلوث والحوادث التي تتكرر دوريا)،...قد لا تحتاج بيروت والحال كذلك الى مترو او قطار انفاق حيث يستقل اغلب الداخلون اليها والخارجون منها القطار في تنقلهم. كما وان الخطوط المقترح انشاؤها بسيطة وقليلة (خط على طول الساحل وخطين مع تفرعاتهما الى الداخل الجنوبي والبقاعي-العكاري) واغلبها ما تزال سككه موجودة رغم التعديات. والبنية السياسية القانونية مكتملة ايضا (رغم حاجتها الى التحديث) بوجود مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك التي يتقاضى العاملون والاداريون فيها اجورا لكي يدخنوا النارجيلة في بيوتهم.
-
ملاحظات غضافيةمقالة ميزة تصلح عنوان لأطروحة كدتوراة: القطار والتنمية والتخلف في الوطن العربي. غشارة الكاتب إلى الوطن العربي ربما يوضحها اكثر ما اسميه "تطوير اللاتكافؤ في الوطن العربي:المواجهة مستمرة بين القومية الحاكمة والقومية الكامنة" نشرته في مجلة المستقبل العربي العدد رقم 197 ، رقم 7/1995 ص ص 16-28، وعالجت نفس الموضوع يف كتابي: دفاعا عن دولة الوحدة:إفلاس الدولة القُطرية، منشورات دار الكنوز الأدبية بيروت ، ورام الله 2003. باختصار، جادلت بأن تخلق الوطن العربي ليس فقط بسبب المراحل الثلاث للراسمالي: الاستعمار والإمبريالية والعولمة، بل اساساص اليوم نظرا لوجود قرار سياسي رسمي انظماتي باستدامة التخلف لإدامة التجزية.
-
قطار سريع يربط دمشق بالقاهره مرورا بالقدسمن احلامي اخي العزيز خط قطار سريع يربط دمشق بالقاهره مرورا بالقدس كنواة لشبكة قطارات سريعه تربط الوطن العربي والعالم الاسلامي.وهذا سيحصل انشاء الله خلال القرن الحالي بعد تفكيك العقبه الرئيسيه المشروع الصهيوني.
-
لا تعليق,بل سؤال وشكر 2ويرد رئيس وزراء بريطانيا وهو يتنهد تعبيرا عن الحرج: بصراحة نعم… كذلك أريد الموصل( كانت الموصل حتي تلك اللحظة موضوعا معلقا في انتظار نهاية الحرب). ويتنهد رئيس وزراء فرنسا كأنه يضيف بالصبر مكرمة جديدة, ويقول لرئيس وزراء بريطانيا: حاضر, خذ الموصل.!! كأنما أقاليم الوطن العربي لعب في أياد تملك اللعب بها, وبأقدارها ومصائرها وأهلها.! هل أزيد وأضيف من داخل المحاضر في هذا الاجتماع بين الرجلين حوارا أشعر بالإهانة كلما وقعت عيني عليه: فقد سأل رئيس وزراء فرنسا زميله البريطاني عن وعود عرف أن الإنجليز أعطوها للشريف حسين أمير مكة مقابل إعلان الجهاد الإسلامي ضد تركيا الخلافة, ويرد’ لويد جورج’ بقوله: هل تتصور يا صديقي أنني أقبل إلزام بريطانيا العظمي بورقة تعهد أعطيناها لقبائل بدو همجية؟! كنا نريد الحصول على فتوى تريح الهنود المسلمين, لأنهم عنصر مهم في قواتنا, بالذات في الشرق الأوسط, كنا نطلب منهم وغالبيتهم مسلمون أن يحاربوا خليفتهم وخشينا أن نعرضهم لأزمة ضمير, كنا محتاجين إلي إعطائهم فتوى بالجهاد ضد هذا الخليفة,فتوى ممن هو أقوي من الخليفة في وجوب طاعة المسلمين, فتوى باسم’ محمد’, أليس هو الجد الأكبر للشريف’ حسين’؟!! ------------------------------------ جزء من مقابلة جريدة الأهرام مع الكاتب محمد حسنين هيكل,الأحد, 25 سبتمبر 2011 سؤال : هل إنه لم يتغير علينا شيء من مئة عام؟!,أو رجعنا القهقري مئة عام؟!! شكرا أستاذ عامر على المقالة الرائعة كالعادة.
-
لا تعليق,بل سؤال وشكرأريد الوقوف معكم لحظة أمام خبايا ما يجري في عملية توزيع الإرث في الحاضر, ولكي أشرحه علي صورة أقرب إلي الصحة, فإني أعود قليلا إلي مشاهد ترسمها الوثائق في إعلام الوراثة السابق لدولة الخلافة, فقد يكون في السابق الذي نراه إشارات إلي ما يجري في الحاضر أثناء إشهار إفلاس إرث المشروع العربي القومي!! بعض الوثائق الملحقة باتفاقية’ سايكس بيكو’ الأولي مروعة!! فيها بالتحديد محضر جلسة جمعت بين رئيس وزراء بريطانيا’ لويد جورج’, ورئيس وزراء فرنسا’ كليمنصو’ وقد كنت بالأمس فقط منكبا علي قراءته مرة رابعة أو خامسة!! كان الاجتماع في قصر’ لانكستر’ وسط لندن, وتاريخه بالضبط أول ديسمبر.1917 وقد دار بين رئيس الوزراء البريطاني ونظيره الفرنسي حوار, حول اتفاقية’ سايكس بيكو’ وكانت مطروحة عليهما, مع رغبة ملحة في ضرورة تعزيز التفاهم بين الحليفين الكبيرين: بريطانيا وفرنسا!! ووجه رئيس وزراء فرنسا’ كليمنصو’ سؤالا إلي رئيس وزراء بريطانيا’ لويد جورج’: صارحني يا صديقي بما تريد حقيقة, حتي لا تظل بيننا فيما بعد شبهة خلاف. ويرد’ لويد جورج’: مطلبي هو العراق وفلسطين, ويقاطعه رئيس الوزراء الفرنسي يسأله: هل هذا كل شيء؟! قل لي ولاتخفي عني, ويتردد رئيس الوزراء البريطاني, ثم قال على استحياء: أريد القدس( كانت القدس علي الخريطة الأولي قد تركت لترتيبات دولية لاحقة, رغم أن فلسطين كلها كانت من نصيب بريطانيا). ويعود رئيس وزراء فرنسا إلي السؤال: حسنا, سوف أترك لك القدس!! ولكن هل هذه نهاية مطالبك نريد إنهاء كل أسباب الخلاف بيننا, أسألك: - هل القدس آخر الطلبات؟! ثم يكرر السؤال:قل لي بحق صداقتنا هل لديك شيء لم تقله لي؟!