وضمن الخيارات الإسرائيلية (المتناسبة)، إمكانية توجيه ضربة صاروخية توازي الضربة الإيرانية، ضد قاعدة عسكرية أو اثنتَين إيرانيتَين، أو أن تنفّذ هجوماً جويّاً خاطفاً من خارج الأراضي الإيرانية، أو ضربة عبر سلاح البحر والغواصات الإسرائيلية، سواء كانت صاروخيّة أو غيرها، على أهداف بحرية و/ أو برية إيرانية. أما الضربة الأمنية، مع بصمة إسرائيلية منخفضة، واردة أيضاً، وهو ما تجيده إسرائيل في حالات مشابهة. إلا أن ما يصعّب القرار على صانعه في تل أبيب، أن بلورته لا تتحدّد في الأخيرة، بل بـ«التشاور» مع الراعي الأميركي، صاحب القول الفصل في هكذا قرارات، كونه الحامي والمدافع، عمليّاً وسياسيّاً، وفق ما تأكَّد في سياق الردّ الإيراني، علماً أن إسرائيل ستكون عرضة لأضرار أكبر وأوسع وأكثر خطورة إنْ عاندت وتحدّت الإرادة الأميركية في الدفع نحو منع التصعيد الإقليمي الذي لا يخدم أجندة واشنطن في هذه المرحلة.
إسرائيل ستكون عرضة لأضرار أكبر إنْ عاندت وتحدّت الإرادة الأميركية في الدفع نحو منع التصعيد الإقليمي
وفي هذا العامل تحديداً، الذي يُعدّ أكثر أهمية من أيّ عامل آخر، ثمة لغط تجدر إزالته بالآتي:
- لن تعارض أميركا، إسرائيل، في توجيه ضربة إلى إيران، صغيرة أو كبيرة، لو قدّرت أن تبعاتها محدودة، وأن الكلفة أقلّ من الجدوى فيها، ليس ربطاً بالمصالح الأميركية فحسب، بل وأيضاً بأثمان تقدّر واشنطن أن تل أبيب ستدفعها، وهي جزء لا يتجزأ من مصالحها هي.
- لو قدّرت أميركا أن تداعيات الضربة الإسرائيلية منتفية أو محدودة أو يمكن تحمّلها، وأن لا مخاطرة فيها، فستكون هي مَن يدفع إسرائيل إليها.
- لو قدّرت إسرائيل أن تداعيات هجومها ضدّ إيران محدودة مع ثمن منخفض وبلا ردود فعل قاسية أو مخاطرات، لن تستمع إلى التحذيرات الأميركية، وستلجأ إلى تنفيذ اعتدائها بلا إبطاء.
لكن هل يعني ذلك أن إسرائيل ستحتوي الضربة الإيرانية؟ هذا الأمر مشكوك فيه؛ فدافع تل أبيب يصل إلى السماء، وإنْ كانت العوائق كثيرة ومن شأنها الحؤول دون بلورة الردّ على الردّ سريعاً. وفي مطلق الأحوال، وفي سياق اجتراح قرارات الردّ على أفعال عدائية، سواء كانت آتية من دول أو من كيانات غير دولتية، تبحث طاولة القرار في ما بعد الردّ، مع تحديد ماهيته ومستواه، وإلى أيّ مدى يدحرج الردود بين الجانبَين، وهذه هي حالة إسرائيل الآن، كونها تعلم أن ردّها على الردّ سيؤدي إلى ردّ إيراني مقابل، الأمر الذي سيضعها في الموقف الحالي من جديد، مع أثمان أعلى وأكثر تأثيراً. وفي المقابل، لن تنتهي مفاعيل سلّة الفوائد الاستراتيجية التي تتلقّاها إيران جرّاء ردّها على الهجوم الأخير، في حال تنفيذ التهديد الإسرائيلي، بل ستزداد العوائد في أعقابه، خاصة إن قرّرت طهران الرد على الرد الإسرائيلي.