بعد ثلاثة أشهر من إطلاقها، لم تقدّم مهمة «أسبيدس» الأوروبية في البحر الأحمر، أي إضافة يمكن تسجيلها تعزيزاً لمهمة «حارس الازدهار» التي تقودها الولايات المتحدة في سعيها لحماية الملاحة الإسرائيلية، وأخفقت في إثبات دور الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على أمن البحار وحماية الممرّات المائية. ولتجنّب الغرق في المستنقع اليمني، تمايز الاتحاد الأوروبي عن الولايات المتحدة بسلوك وُصف بأنه أكثر جاذبية من الناحية السياسية من المهمة الموازية التي تقودها الأخيرة، باقتصار «أسبيدس» على حماية الملاحة الدولية والممرّات البحرية، من دون التورّط في ضربات جوية على اليمن. غير أن المهمة الأوروبية لم يطل الزمن حتى تظهر فشلاً في التعامل مع التهديدات؛ فعلى المستوى التكتيكي، يتحدّث ضباطها عن المفاجأة بنوعية المخاطر التي تواجهها قواتهم على مدار الساعة، ويصفون نجاتهم بأنها أقرب ما تكون إلى «لعبة حظ»، ويعترفون بأنهم غير مدرّبين على التعامل مع تلك التحدّيات، ويعيشون قلقاً دائماً من احتمال نجاح القوات اليمنية في استخدام ما يُسمى «الإغراق» عن طريق إرسال عشرات الطائرات والزوارق المُسيّرة في وقت واحد.وفي السياق، اعترف قائد المهمة، الأميرال اليوناني فاسيليوس غريباريس، بأن الخطر الناجم عن هجمات حركة «أنصار الله» أصبح أكثر حدّة من أي وقت مضى، مشيراً، بحسب ما نقلت عنه مجلة «در شبيغل» الألمانية، خلال اجتماع سرّي في بروكسل الأسبوع الماضي، إلى أن الحركة نجحت في نهاية نيسان الماضي في إغراق الدفاع الجوي لسفن الاتحاد الأوروبي بسرب من الطائرات المُسيّرة، وإلحاق أضرار بسفينة تجارية، مضيفاً أن «السفن الحربية تمتلك دفاعات حديثة مضادة للطائرات يمكنها مكافحة أهداف متعددة في الوقت نفسه، ولكن مع وجود سرب كامل من الطائرات من دون طيار، حتى أقوى الأنظمة تستسلم في مرحلة ما». وعلى مستوى التسلّح، أثبتت التجارب أن الذخيرة التي زُوّدت بها السفن لا تتناسب مع المهمة ومع أسلحة الخصم، فيما تعجز دول الاتحاد عن تأمين خيارات أخرى في الوقت الحاضر، فضلاً عن التكلفة الباهظة للذخيرة.
ولذا، فبدلاً من أن تلعب المهمة الأوروبية دوراً في حماية السفن التجارية الأوروبية، فضلاً عن تأدية المهمة الأساسية الملقاة على عاتقها والمتمثلة في رفع الحصار عن إسرائيل، فإن الإحصاءات الاقتصادية الرسمية تفيد بأن أوروبا تُعدّ إحدى أكثر المناطق تضرّراً جرّاء عسكرة البحر الأحمر ومضيق باب المندب. ونقلت وسائل إعلام غربية عن خبراء اقتصاديين، تحذيراتهم من أن الهجمات على الشحن في البحر الأحمر تهدّد بخلق فترة «فوضوية» للمصنّعين وتجار التجزئة في أوروبا، مع تعطل سلاسل التوريد. وبالتالي، فقد وضع هذا التدخّل دول الاتحاد في موقف صعب تبحث فيه عن مخرج من صراع يبدو أفقه العسكري مسدوداً وغير ذي جدوى على المستوى السياسي.
قائد «أسبيدس»: لم أعد قادراً على حماية السفن من هجمات «أنصار الله»


وللتعويض عن فشله، ينشغل الاتحاد الأوروبي بإصدار بيانات عسكرية يتحدّث فيها عن اعتراض سفنه مُسيّرات أو صواريخ يمنية قبل أن تصيب سفناً تجارية؛ ويصدر بيانات أخرى في فترات متفاوتة يذكّر فيها بمواكبة السفن العسكرية الأوروبية للسفن التجارية. وفي آخر إحصاء له الأسبوع الماضي، أكّد الاتحاد أن أسطوله الحربي استطاع تأمين ومرافقة وحماية ما لا يقل عن 100 سفينة تجارية للعبور بنجاح في البحر الأحمر. أما الواقع على الأرض، فيختلف عن تلك المزاعم، إذ إن السفن التجارية غير المرتبطة بإسرائيل وأميركا وبريطانيا، مسموح لها بالمرور من دون أي مواكبة بحرية. والسفن التابعة لتلك الأطراف الثلاثة يتم اعتراضها حتى لو موّهت نفسها وعبرت ضمن طابور كبير من السفن الأخرى.
وكانت المهمة الأوروبية قد بدأت تتزعزع مع سحب عدد من الدول سفنها منها؛ إذ سحبت فرنسا الفرقاطة «فريم» بعد انتشار استمر 71 يوماً، لأسباب تتعلق بنفاد الصواريخ والذخائر، وفقاً لقائدها جيروم هنري، ثم جرى سحب الفرقاطة الألمانية «هيسن» في 20 نيسان، ومن المتوقّع أن تعود إلى ميناء فيلهلمسهافن في ألمانيا غداً، فيما استدعت الدنمارك فرقاطتها «إيفر هويتفيلد» من البحر الأحمر بعد أقل من شهرين من وصولها، بسبب مشاكل في نظامها الدفاعي، ولم تبق في الميدان إلا ثلاث فرقاطات، واحدة بلجيكية واثنتان إيطاليتان.
وهكذا بعد مرور ثلاثة أشهر على إطلاقها، لم يعد لدى مهمة «أسبيدس» ما يكفي من السفن الحربية لحماية السفن التجارية في البحر الأحمر. وبحسب معلومات «در شبيغل»، حذّر قائد المهمة، بشكل عاجل في اجتماع بروكسل، من أنه لم يعد قادراً على القيام بمهمة حماية السفن من هجمات «أنصار الله».
وبالنظر إلى المخاطر التي كشف عنها التصعيد في البحر الأحمر، والتهديدات التي تعترض المهمة الأوروبية، والحاجة إلى معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار الإقليمي بسبب العدوان على غزة، من المقرر أن يبدأ الاتحاد الاوروبي مراجعة الخطة التشغيلية للمهمة. وبحسب «در شبيغل»، سيبدأ النقاش الشهر المقبل في بروكسل، ليكون أمام الأوروبيين خياران: الأول توسيع ولاية المهمة وما يترتّب على ذلك من الدفع بمزيد من السفن بزعم الحد من تهريب الأسلحة إلى اليمن، والثاني أن يستفيدوا من التجربة الفاشلة ويتبنّوا استراتيجية موسّعة تُعطي الأولوية للدبلوماسية في الضغط على إسرائيل لوقف الحرب على غزة.