«في ضيافة أهلنا»
تحفل صفحات الرقيين على مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن كرم أبناء القرى المحتضنة للطلاب، مع التأكيد أن هذا الأمر «ليس غريباً». لا مكان لمصطلح مثل «إيواء» في تلك القرى، بل هي ضيافة. إذ يسكن الطلاب ومرافقوهم من العائلات في «بيوت الأهالي، ويقدم إليهم الطعام والشراب، ويُجري أساتذة مختصون مراجعاتٍ مجانيّة لهم». علاوة على التزام بعض أصحاب المحال التجارية تقديم تخفيضات كبيرة للضيوف. ينحدر أبو عُدي من تل أبيض، وقد اصطحب ولديه الاثنين إلى ناحية السبخة، ليتقدّما إلى الامتحان بصفة «دراسة حرّة». يقول الرجل لـ«الأخبار» إنه ليس متفاجئاً بما رآه، «فهذه شيم أهلنا الأصيلة». ويضيف: «والله لو كنّا ببيوتنا ما كنا رح نرتاح أكتر من هيك».
لا يتجاوز «تعويض المراقبة» الذي تمنحه «التربية» 1800 ليرة عن اليوم الواحد
ظروف سيئة
في مقابل مبادرة الأهالي، ثمة تقصير حكومي كبير يطاول معظم قطاعات الحياة في الريف الرقّي الخاضع لسيطرة دمشق. وبرغم مرور ثلاث سنوات على عودة الجيش السوري إلى محافظة الرقة، فإنّ الخدمات الحكومية لم تعد إلا بحدّها الأدنى (راجع «الأخبار» 14 نيسان 2018). يسهب الرقيّون في الحديث عن معاناة مناطقهم، من انقطاعات مياه الشرب والكهرباء الطويلة، إلى رداءة نوعية الخبز، وسوء أحوال الطرق والمواصلات. يشير الصحافي خليل هملو (ابن الرقة) إلى المفارقة، ما بين سوء الخدمات، وحجم الحفاوة الأهليّة بالطلاب الوافدين. فـ«تلك المناطق محرومة الكهرباء منذ سنوات، إضافة إلى انتشار الحشرات، وغير ذلك. الأهالي يحلمون بشربة ماء باردة، وليلة لا يلسعهم البق والبعوض. كيف سيستطيع الطلاب الدراسة؟». يقول هملو لـ«الأخبار» إنّ «الفرق كبير بين ظروف الطلاب الوافدين لتقديم الامتحانات في ريف الرقة، ونظيرتها في حلب»، حيث أخذت المحافظة على عاتقها توفير المواصلات وأماكن السكن المؤقت لضيوفها.
لا مواصلات
ثمة مشكلات خدمية تؤثر سلباً ومباشرةً بسير العملية الامتحانية في ريف الرقة. يأتي على رأسها عدم توافر وسائل النقل بالوتيرة اللازمة، ما يمثّل عقبة كبيرة أمام تنقّل المراقبين والطلاب (غير الراغبين في المكوث طوال فترة الامتحانات) بين مناطق سيطرة الحكومة السورية، ومناطق سيطرة «قسد». وتراوح تكلفة انتقال الشخص الواحد (ذهاباً وإياباً) ما بين 3 و5 آلاف ليرة، فيما لا يتجاوز «تعويض المراقبة» الذي تمنحه «التربية» 1800 ليرة عن اليوم الواحد. وعلاوة على ذلك، يضطر المراقبون إلى التنقل في ظروف غير مريحة، في ظل ازدياد عدد المسافرين وقلة عدد وسائل النقل. (على ظهور الحافلات، أو بوساطة سيارات نقل البضائع الصغيرة «سوزوكي»، وغير ذلك). ويتحدث أحد المراقبين عن اضطراره إلى استخدام خمس حافلات، ثم السير على قدميه مسافة 3 كم للوصول إلى المركز الامتحاني، الأمر الذي استلزم منه 10 ساعات كاملة. كذلك، تؤكد مصادر محلية أن مئات الطلاب اضطروا إلى العودة من حيث أتوا، بعد أن انتظروا ساعات قرب المعابر للعثور على وسيلة نقل، بلا جدوى. وبرغم أن بعض وسائل الإعلام المحلية قد تحدثت عن جولات أجراها عدد من المسؤولين على المعابر، لمتابعة ظروف عبور الطلاب، ونقلهم إلى القرى والبلدات، فإنّ تلك الجولات كانت في واقع الأمر «بروتوكولية» لا تخرج عن المعتاد، ولم تتمخّض عن إجراءات فعليّة ملموسة.
صدمة «الفرنسية»
خرج الطلاب من امتحان مادة اللغة الفرنسيّة بحصيلة سيئة. وأجمع كثير منهم على أنّ تلك المادة «للنسيان»، وأنّ سعداء الحظ من بينهم سينجون من الرسوب فيها «بالصدفة». ويُردّ ذلك إلى قلة عدد المدرسين المختصّين بالمادة في محافظة الرقة بالعموم، ولمناطق الخاضعة لسيطرة دمشق بالخصوص. علاوة على أن النسبة العظمى من الطلاب يتقدمون إلى الامتحان تحت بند «دراسة حرّة»، بسبب توقف عمل المدارس الحكومية في مناطق سيطرة «قسد» في الرقة. ونقلت صحيفة «الفرات» المحليّة عن «مدير تربية الرقة» عبد الإله الهادي قوله إن طلبة «الدراسة الحرة» أجُريت لهم «عمليات سبر (معلومات)، بسبب عدم وجود مدارس ترشّحهم للامتحانات (أصولاً) في المناطق الواقعة خارج سلطة الدولة السورية حالياً». وبرغم الجهود المكثفة التي بذلها في المراحل الأخيرة قبل الامتحانات بعض الدوائر الحكومية في الرقة، فإن تلك الجهود انطلقت متأخرة، وكأنما لم يسمع المسؤولون بالمثل القائل إن «الركض المتأخر لا ينفع». وعلى سبيل المثال، كانت عمليات تصنيع المقاعد الخشبية التي سيجلس عليها الطلاب خلال الامتحانات مستمرّة حتى وقت قريب، برغم أن موعد الامتحان معلوم منذ مطلع العام الدراسي.
أرقام ومؤشرات امتحانيّة
■ عدد طلاب الرقة المتقدمين إلى امتحان التعليم الأساسي: 3057 (دراسة نظامية) + 10747 (دراسة حرّة).
■ عدد المراكز الامتحانية في ريف الرقة 103 + مركزان اثنان في حماة.
■ تستضيف مراكز حماة 2590 طالباً وطالبة من إدلب لتقديم امتحانات الشهادتين.
■ تستضيف مراكز حماة 1500 طالب وطالبة من الرقة لتقديم امتحانات الشهادتين.
■ تستضيف مراكز حماة 450 طالباً وطالبة من ريف حماة الخارج عن سيطرة الحكومة لتقديم امتحانات الشهادتين.
■ تقدم محافظة حماة إلى الطلاب الوافدين وسائط النقل إلى المراكز الامتحانية، ودروساً تعويضية بمعدل 6 ساعات للمادة الواحدة، والكتب المدرسية لمن لا يمتلكها.
■ تستضيف مراكز حلب أكثر من 6000 طالب وطالبة من المناطق الساخنة. من بينهم 316 طالباً وطالبة من محافظة الرقة.
■ خصصت محافظة حلب 25 مقرّ إقامة لاستضافة الطلاب وذويهم.
■ خصصت محافظة حلب 87 باص نقل داخلي لنقل الطلاب بين المراكز الامتحانية ومراكز الإقامة.
■ توفر «تربية حلب» مدرسين متفرغين لتقديم الدروس التعويضية، إضافة إلى اختصاصيي دعم نفسي وإشراف طبي، وكتب مدرسية لمن لا يمتلكها.
*المصدر: المكتب الصحفي في وزارة التربية