بدأ رواج مصطلح «مكتومي القيد» رسميّاً منذ عام 1962
مشكلة مشابهة لمشكلة رعيدة وضرّتيها، تعاني منها فاطمة، ابنة الأربعين عاماً، المنحدرة من ريف حمص. غير أن حكاية فاطمة أكثر تعقيداً، فزوجها غير موجود، لا فيزيائيّاً، ولا رسميّاً! كانت السيدة قد تزوّجت رجلاً من «مكتومي القيد» القدامى. رُزقت فاطمة طفلةً، أتمّت عامها الأول مع اندلاع الحرب. بعد فترة وجيزة، غادر الزوج إلى الحسكة، تاركاً زوجته وطفلته، ليختفي هناك وتنقطع أخباره، وتظلّ الزوجة من دون أي وثيقة تُثبت زواجها، أو نَسب ابنتها. تقول فاطمة لـ«الأخبار» «حاولت بشتّى الوسائل الحصول على قرار بتثبيت زواجي رسمياً، كي أتمكن من رفع دعوى طلاق غيابي، لكنني لم أنجح، رغم أن دعوى التثبيت مرفوعة منذ ثلاث سنوات». وتضيف «كذلك، لم أنجح في تسجيل ابنتي في المدرسة (تجاوزت الثامنة من العمر)، لعدم وجود أوراق ثبوتيّة».
عقبات «قانونيّة»
قبل الحرب، كانت المحاكم السورية تعترف بالزواج العرفي، أو «كتاب الشيخ»، شرط إحضار الزوجين شاهدين على عقد القران، وموافقة ولي أمر الزوجة (سواء كان الأب أو الجد أو الأخ الكبير) في حال كانت الفتاة قاصراً. قبل أن يتغير الحال، مع صدور تعميم يمنع قبول إبرام عقود الزواج خارج أروقة «المحاكم الشرعية» الرسمية. يقول القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود معرّاوي، إنّ «كثيراً من السوريين كانوا يعقدون قرانهم خارج أروقة المحكمة، وفي معظم الأحيان، كان ذلك الإجراء يُستكمل بتثبيت الزواج في المحاكم الشرعية، من دون صعوبات». ويضيف «لكن، في سنوات الحرب، واجه السوريون في المناطق المحاصرة، والخاضعة لسيطرة المعارضة، صعوبات عدة في تثبيت الزواج قانونياً. ما جعلهم يكتفون بالعقود التي يبرمها أحد رجال الدين، وتسجيلها في هيئات ومحاكم شرعية موجودة داخل تلك المناطق فقط». وعلاوة على ذلك، ثمة تعقيد جوهري تختص به عقود زواج «المكتومين»، أساسه كما يؤكد معراوي لـ«الأخبار» أنه «لا يمكن تسجيل زواجهم، لعدم وجود الأشخاص المعنيين في السجلات الرسمية». ويوضح القاضي الشرعي أن الأمر يتطلّب «لجنة خاصة من أجل دراسة حالتهم».
لا أرقام
لا تتوافر أرقام إحصائية دقيقة ولا تقريبية لعدد حالات الزواج غير المثبت، ولا أعداد الأطفال المكتومي القيد. «يعود جذر المشكلة إلى عام 1962، حين أُجري إحصاء سكاني في خلال يوم واحد فقط»، حسبما يؤكده المحامي سليمان الصوص لـ«الأخبار». يقول الصوص، إنّ «عملية الإحصاء يجب أن تُكرّر كل عشر سنوات، من أجل رفع مستوى التعليم ولتسهيل نيل غير المقيّدين في السجلات الرسمية حقوقهم المدنية». يوضح الصوص أن «أسباب كتمان القيد كثيرة، لكنّ النتيجة واحدة: لا أوراق ثبوتية ولا شخصية قانونية». ما يعني أن «مكتوم القيد محروم من كلّ حقوقه التي نصّت عليها الاتفاقيات الدولية، وأولها الحقّ بالحصول على اسم وجنسية، والحقّ بالحفاظ عليها. إضافة إلى حرمانه من الطبابة والضمان الاجتماعي والتعليم والعمل والتملّك والانتخاب والترشح والزواج أو حتى التنقّل بحرّية». يشير الصوص، على نحو خاص إلى «العقبات القانونية التي تواجه أولئك الشبان والشابات، عند الرغبة بتأسيس عائلة، ما يعيدهم إلى الشكل العرفي من عقد القران، ذلك الذي لا يُدرج في سجلات الدولة». ويضيف «هذا النوع من الزيجات، لا يمرّ بالمحكمة الشرعية التابعة للقضاء السوري، ولا يُعتبر عقد زواج يمكن اعتماده قانونياً، لإثبات حقوق الزوجة من مهر ونفقة وغير ذلك. كما لا يُعتمد وثيقة لتسجيل الأولاد، والحصول على شهادة ميلاد تسمح لهم بالدخول إلى المدرسة أو الحصول على بطاقة شخصية في المستقبل، بل يتحولون ببساطة إلى مكتومي قيد».