وانطلاقاً من النقطة الاولى، يبدو جليّاً ان الاستراتيجيات التي اتبعها غالبية المديرين الفنيين في المونديال الحالي تبدو نسخة طبق الأصل، إذ غالباً ما يعتمدون على مهاجمٍ وحيد في خط المقدمة، وهذا ربما يبرّر سبب حمل أكثرية الاهداف المونديالية توقيع لاعبي خطّي الدفاع والوسط.
ولا يخفى أن مناصري «المدرسة القديمة» الرافضة لتلك التعقيدات الفنية يجدون في ما يحصل ضعفاً من المدربين الذين يبدو أن خوفهم من الهزيمة يطغى عليهم لدرجةٍ أنهم اعتمدوا استراتيجيات بدوا فيها كأن أفكارهم التدريبية محدودة، وهذا ما دفع أريغو ساكي مدرب منتخب ايطاليا في مونديال 1994 إلى القول: «حتى الآن هناك كارثة على الصعيد التكتيكي». ويضيف ساكي (بحسب ياسين): «يفضّل المدربون أن يترجم اللاعبون خططهم بحذافيرها بعيداً عن اضافة الكثير عليها من أدائهم الشخصي».
وبالطبع يشير تصريح ساكي بوضوح الى مشكلةٍ كبيرة، وهي ان حرية بعض اللاعبين أصحاب المهارات تبدو مقيّدة على ارض الملعب. لذا يمكن القول إن تدخّل المدربين في حركة لاعبيهم على ارض الملعب وصلت الى حدٍّ يريدون فيه تحريك عناصرهم كأنهم يمارسون لعبة الـ«بلاي ستايشن»!
ولن نذهب بعيداً في هذا الموضوع لإعطاء مثلٍ صريح عمّا يحصل، إذ إن الدليل الساطع هو ما أوعز به كارلوس دونغا الى لاعبيه خلال مباراة البرازيل وكوريا الشمالية، لنجد ان التكتيك الذي اتبعه المدرب البرازيلي قتل مهارات «راقصي السامبا». وحيث إن الانضباط التكتيكي هو عنصر حاسم في كرة القدم، والدليل أن الالمان غنموا الالقاب دائماً بفعل التزامهم التام، يفترض التوقف عند نقطة مهمة ألا وهي أنه ليس من المعيب على منتخبٍ مثل المانيا لا يملك مهارات ان يعوّض هذا النقص باعتناق لاعبيه تعليمات مدربهم، لكن المعيب ان يُكبّل اللاعبون التقنيون بتدخلات أولئك المدربين الذين كلما زادوا من تعليماتهم تقلّصت المتعة التي تعدّ سمة اللعبة الشعبية الاولى في العالم.
يريد المدرّبون تحريك عناصرهم كأنهم يمارسون الـ«بلاي ستايشن»
فعلاً أخطاء المدربين بدأت تترك أثراً على اللعبة عموماً، تلك اللعبة التي يصنعها اللاعبون في كل لحظة يقدّمون فيها شيئاً من عبقريتهم الاستثنائية، وهي حلوة بطابعها الإنساني بعيداً عن أي تكبيلٍ لقدراتهم، وكأنهم رجال آليّون.