أرست إجراءات إدارة باراك أوباما جوّا من الرعب على المسربين
"هكذا يكون أوباما قد فتح الباب أمام مَن سيأتي بعده لاعتماد الإجراءات القمعية ذاتها، أو حتى توسيعها وتشديدها تجاه المسرّبين الذين يعملون للمصلحة العامة"، يقول بعض الناشطين.
لا تبشّر تصريحات المرشحَين الرئاسيين وأداؤهما بأن الرئيس الجديد للولايات المتحدة سيكون أقلّ عنفاً من أوباما. المرشحة عن الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون مثلاً، دعمت إجراءات أوباما القمعية، وأيّدت اعتقال المسرّبين وسجنهم، حتى قبل أن تطاولها التسريبات، ورفضت أي محاولة لكشف معلومات مهمة للمواطنين. كلينتون كرّرت، في تصريحاتها، أنه كان "من الأفضل لو لجأ سنودن إلى قنوات حكومية أو إلى الكونغرس، بدل إعطاء المعلومات للصحافيين"، كلام يدلّ على جهل تام بدور المسرّبين وأهدافهم لتوعية الرأي العام، وتجاهلٌ لما قد تفعله أي جهة حكومية ضد مواطن يمتلك وثائق مهمة وسرّية، اذا لجأ إليها أولاً. حاولت كلينتون في أكثر من مناسبة تحويل الأنظار عن خطورة مضمون التسريبات ومسّه بحياة المواطنين وقيمهم، بالتركيز فقط على أن المسرّبين "مكّنوا الصين وروسيا من الحصول على معلومات سرّية". وبعد نشر "ويكيليكس" رسائلها الإلكترونية التي كشفت أخطاء هيلاري السياسية والمهنية الكارثية كوزيرة للخارجية في عهد أوباما الأول، وكمرشحة للرئاسة حالياً، لم يكن مستوى التعامل الرسمي والقضائي مع القضية عادلاً، فنفدت كلينتون من أي عقاب. "لو أرسل أي موظف رسمي عادي معلومات سرية عبر برنامج بريد إلكتروني غير محمي كما فعلت كلينتون، لكان خسر وظيفته بالتأكيد ولاحقه القضاء"، قال إدوارد سنودن في مقابلة منتقداً أداء الإدارة الأميركية والقضاء في عهد أوباما تجاه من طاولتهم التسريبات وعلى رأسهم كلينتون. لذا، لا يبدو سنودن وزملاؤه متفائلين بالعهد المقبل، إن مع كلينتون او مع دونالد ترامب، إذ يرون أن "المسؤولين والقضاء ومعظم الإعلام متّحدون ضد المسرّبين". وبشأن تهديد ترامب لسنودن "بمعاقبة الجواسيس بالإعدام"، ردّ سنودن إنه "ليس خائفاً منه حتى لو صار رئيساً"، مضيفاً: "لا يمكنني أخذ أي تصريح له على محمل الجدّ".
لكن "حرب أوباما على المسرّبين" لم تكن شاملة، ففي أكثر من قضية خرق للسرية، لم يتحرّك القضاء ولم يعترض البيت الأبيض ولم يحاكم أحد، إن لمصالح سياسية أو انتخابية. مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" السابق ووزير الدفاع السابق ليون پانيتا، لم يلاحق قضائياً في عهد أوباما مثلاً، وهو قد سمح لفريق تصوير فيلم سينمائي بالاطلاع على الوثائق السرية لعملية الهجوم على مكان إقامة أسامه بن لادن، بعيد تنفيذ العملية. أو مثلاً، عندما سرّب أحد صحافيي "ذي نيويورك تايمز" معلومات سرية موثقة عن "شنّ أوباما، بمساعدة إسرائيل، هجوماً إلكترونياً على إيران"، حينها لم يُلاحق الصحافي الذي سرّب تفاصيل دقيقة عن العملية ولم يحاكم مصدر معلوماته، عكس ما حصل مع صحافيين آخرين عوقبوا لنشر وثائق سرية بمواضيع أخرى.
في المحصلة، سجّل عهد أوباما زيادة في تصنيف الوثائق "سريّة"، إذ بلغ عددها أكثر من ٧٦ مليون وثيقة عام ٢٠١٠، فيما بلغت نحو ٢٣ مليون عام ٢٠٠٨، ترافق ذلك مع زيادة ضخمة في الميزانية المخصصة لحماية الوثائق السرية.
"جوّ الرعب" الذي أرسته إجراءات إدارة أوباما، بمساندة القضاء ضدّ المسرّبين، هو "أخطر ما حصل في العهدين السابقين، وما يزيد من التشاؤم تجاه المرحلة المقبلة هو غياب أي تضامن فعلي في الدفاع عن المسرّبين من جانب الإعلام وأعضاء الكونغرس"، يقول بعض الناشطين الأميركيين.
«هستيريا» ضد موسكو
قوبل عمل الناشطين المسرّبين في أغلب الأحيان باتهامات مضادة ونظريات مؤامرة وتخوين، الى جانب الضغوط السياسية والقضائية والتهديدات الأمنية التي تمارس ضدهم. آخر تلك الحملات تسريب «ويكيليكس» جزءاً جديداً من رسائل مدير حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، جون پوديستا، (الجزء الخامس والعشرين من مراسلاته) بعد نشر مجموعة مراسلات أعضاء الحزب الديموقراطي قبل أشهر. وقد دفع ذلك بإدارة الحملة وكلينتون الى اتهام روسيا بتزويد «ويكيليكس» بتلك المراسلات.
اتهام المسؤولين الأميركيين لروسيا بضلوعها بالتسريبات ليس الأول، لكن جوليان أسانج نفى أمس، لقناة «روسيا اليوم» أن تكون «الحكومة الروسية هي مصدر التسريبات» الأخيرة. وقال «أشعر بالأسف تجاه كلينتون التي تأكلها طموحاتها من الداخل».
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وصف اتهامات كلينتون وممثلي الحزب الديموقراطي بـ»الهستيريا» التي تسعى إلى صرف انتباه الأميركيين عن المشاكل الحقيقية في بلادهم.