أدار وقتها جهاز «سي آي ايه» عملية إطاحة مصدق أو ما سمّاها «عملية أجاكس السرية»، التي بدأت بتدبير بريطاني، لتترك بصماتها على عقود لاحقة من تاريخ إيران وعلاقات الغرب بالمنطقة. قبل مدة قصيرة من نشر «نيويورك تايمز» تفاصيل عملية «أجاكس»، مستعينة بوثائق لـ«سي آي إيه» عام 2000، تطرقت وزيرة الخارجية (حينها)، مادلين أولبريت، إلى قضية الانقلاب على مصدق، واصفة ما قامت به إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور بـ«النكسة للتنمية السياسية في إيران». كذلك فعل الرئيس السابق باراك أوباما، قبل أن يفرج أرشيف الأمن القومي رسمياً عن وثائق الانقلاب في آب/ أغسطس من عام 2013، بعد طول نفي للتدخل الأميركي في العملية.
حذرت إيران من استحواذ بعض أعضاء «أوبك» على حصتها في السوق
سرّ حضور شخصية مصدق ومؤامرة الانقلاب المدبّرة بريطانياً وأميركياً ضده حتى يومنا هذا، رغم مرور عقود على الحادثة، يكمن في كونها تعود لجيل سابق لجيل الثورة الإيرانية. وقتها، لم يكن لحكومة مصدق أيديولوجيا للتصدير، ولا عمل سياسي وعسكري في المنطقة خارج حدود إيران، ولا برنامج نووي أو باليستي. مع ذلك، كانت سياسة مصدق الاجتماعية، وقراراته ذات النزعة الاستقلالية (أشهرها تأميم النفط الإيراني وإلغاء امتياز الشركة البريطانية)، كافية لاستثارة بريطانيا جراء خسارة مصالحها المكتسبة من الهيمنة على القرار الإيراني، وبعدها توريط الأميركيين عبر التخويف من مزاعم حول ميول مصدق للمعسكر الاشتراكي في ظل الحرب الباردة. بذلك، كانت عملية «أجاكس» أوضح درس عن النظرة الغربية إلى دول المنطقة، وحدّة التناقض بين خطابات الغرب المعلنة تجاه الشعوب وحقوقها والأهداف الحقيقية المبيتة. درسٌ لا يزال ينجح اليوم في جمع مختلف التيارات الإيرانية، مهما كانت اتجاهاتها، كلما لاحت أزمة مع الخارج، أو تجددت التهديدات الأميركية بحق طهران.
المقارنة بين تاريخ الولايات المتحدة مع إيران، والضغوط الأميركية ضد طهران اليوم، أقامها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تغريدة على حسابه في «تويتر»، أمس، كتب فيها: «قبل 65 عاماً أطاحت الولايات المتحدة حكومة الدكتور مصدق الديمقراطية المنتخبة، ونصّبت الدكتاتورية، وأخضعت الإيرانيين لمدة 25 عاماً. والآن، تحلم مجموعة العمل (التي شكلتها وزارة الخارجية الأميركية قبل أيام) بممارسة نفس الضغط والتضليل والديماغوجية.. لن يحدث ذلك ثانية». تبدّل الكثير في إيران منذ ثورة الخميني. لم تعد ثمة قوات عسكرية مخترقة من الخارج تتآمر على الحكومة المنتخبة، ولا «شاه» يحكم وفق ما تمليه مصالح واشنطن أو لندن. لكن لا يبدو أن التجربة تختلف تماماً، وكذلك محيط طهران وخارطة الخليج على الضفة الأخرى.
فعند استعادة أوراق حقبة انقلاب «28 مرداد» كما يعرف في إيران، يظهر كيف أن البريطانيين ضربوا حظراً على تعاملات الحكومة الإيرانية، وهدّدوا من يشتري نفط طهران من الدول، وهو ما استغلّته دول الخليج لمضاعفة إنتاجها النفطي وتعويض حصة إيران. اليوم، تتشابه الإجراءات الأميركية مع تلك البريطانية قبل أكثر من ستة عقود. فأمس، حذرت الحكومة الإيرانية منظمة «أوبك» من محاولات استحواذ بعض الأعضاء على حصة إيران من السوق، في إشارة إلى السعودية التي تحاول إجابة الطلب الأميركي بتعويض النفط الإيراني قبيل دخول دفعة العقوبات الثانية على إيران حيّز التنفيذ، والتي تشمل الصادرات النفطية. بين الأمس واليوم، لا يزال خطاب مصدق عند الإعلان عن تأميم نفط بلاده ساري المفعول: «لم نتوصّل إلى أي نتائج مع الدول الأجنبية بعد سنوات طويلة من المفاوضات... فعائدات النفط تمكّننا من تحقيق كامل الميزانية، وأن نكافح الفقر والمرض والتخلف. هناك اعتبار آخر مهم، هو أنه عندما نقضي على قوة تلك الشركة البريطانية، فإننا نقضي على الفساد والتآمر اللذين تأثرت بسببهما شؤون بلدنا الداخلية. عندما نوقف تلك الوصاية نهائياً، فإن إيران تكون قد حققت استقلالها الاقتصادي والسياسي».