بومبيو: الولايات المتحدة جادة بشأن السلام وإعادة القوات إلى الوطن
في هذا الوقت، تتجه أنظار المراقبين إلى مرحلة ما بعد الانسحاب، حيث تحدق جملة من المخاطر، أهمها مصير حكومة كابول التي ترفض «طالبان» حتى حينه محاورتها أو توقيع اتفاق وقف إطلاق نار معها، فضلاً عن الاعتراف بها، وكذلك الانقسامات التي قد تنشب جراء انهيار النظام. ولئن عاد خليل زاد أمس إلى كابول لـ«إقناع» الرئيس أشرف غني، إلا أن الولايات المتحدة تبدو ماضية في صفقة على حساب كابول، أو بالحدّ الأدنى ستسمح بتكريس «طالبان» رقماً صعباً في المعادلة الداخلية ومستقبل البلاد. فبينما رحّبت إسلام آباد بـ«النصر الدبلوماسي الكبير» الذي أسهمت هي فيه، بدت الحكومة الأفغانية أكثر تحفظاً وحذراً في التفاعل مع الحدث، في انتظار ما ستحمله زيارة خليل زاد لكابول.
التقدّم الذي ظهر في الدوحة، يعزوه المتابعون إلى جملة عوامل تحكم المفاوضات، أهمها: استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي تثبت جدّيتها في إرادة التخفف من المسؤوليات المرهقة في السياسة الخارجية. ولعلّ الحرب الأفغانية الطويلة الأمد، التي تتواصل منذ عام 2001، هي أبرز النماذج على التورط الأميركي في التدخلات الخارجية التي تستدعي المراجعة من وجهة نظر ترامب وفريقه. وما المعلومات الواردة قبل أيام عن نية ترامب سحب نسبة من قواته من الأراضي الأفغانية سوى مؤشر على استعجال تطبيق هذه السياسة. هذا ما أكده وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أمس، في معرض إشادته بـ«الأنباء المشجعة» الآتية من خليل زاد، حيث قال: «الولايات المتحدة جادة بشأن السعي إلى السلام والحيلولة دون استمرار أفغانستان مكاناً للإرهاب الدولي وإعادة القوات إلى الوطن». وبذلك يكون بومبيو قد أكد استراتيجية إدارته والصفقة المقبولة لتحقيقها، وهو ما يتماشى مع الخطوط العريضة للتسريبات: الخروج من أفغانستان مقابل أن لا تكون الأخيرة منطلقاً للتنظيمات «الجهادية».
العامل الثاني، يتمثل في الوقائع والتطورات التي تدفع باتجاه اهتمام دولي وإقليمي واسع بضرورة إيجاد حلّ في أفغانستان لأسباب أمنية واقتصادية، ما فرض تحركات غير مسبوقة تقوم بها روسيا وإيران والصين وباكستان، إضافة إلى الهند. كل هذه الدول، وانطلاقاً من مصالح متشابكة، بدأت تضغط باتجاه إيجاد حل، عبر مشاورات قادت إلى المبادرة الروسية. ويبدو أن الجميع يريد التخلص من بؤرة التوتر الأفغانية، لسبب مشترك هو المخاوف من توسع نشاط تنظيم «داعش»، وانتقال جزء كبير من عناصره إلى نقاط تهدد أمن حدود هذه الدول، فضلاً عن المحفزات الاقتصادية لدى الصين والهند على السواء. واللافت أن هذه المخاوف تتشاركها «طالبان» مع بقية دول الجوار، فيما يُشار إلى الولايات المتحدة كمستفيد حيناً، وكمتواطئ في أحيان أخرى على توسع نشاط «داعش». وإن كان التنسيق الأميركي مع إسلام آباد جلياً، فثمة معلومات تفيد بأن ما يجري في الآونة الأخيرة بين الدول المجاورة لأفغانستان هو تحرك بمعزل عن الأميركي، دفع واشنطن إلى استشعار المنافسة جراء فرص هذه الدول وقدرتها على التفاهم مع «طالبان»، خصوصاً في ظلّ وجود حكومة عمران خان في إسلام آباد، التي تحرص على إنهاء الحرب وتميل إلى التعاون مع بكين في مختلف المجالات. ما تقدّم، وفق هذه المعلومات، سرّع المبادرة الأميركية عبر تفعيل القناة الخليجية للتفاوض (الإمارات والسعودية ومن ثم قطر)، في موازاة ضغوط لإحباط التحرك الروسي الذي بلغ ذروته مع عقد مؤتمر موسكو لأطراف الأزمة الأفغانية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.