أسبوع ماي السعيد فشل حاسم لسياسة «العمّال» والمعارضة عموماً
«المحافظون» لم يكتفوا بتدعيم موقف ماي في شأن «بريكست»، إذ إنهم كانوا قد سبقوا تلك المداولات بتمرير قانون جديد للهجرة مثير للجدل، يُعدّ وفق المراقبين بمثابة لطمة كبرى للطبقة العاملة، في الوقت الذي بدا فيه موقف حزب «العمّال» تجاه مشروع القانون مفتّتاً ومتناقضاً ومن دون استراتيجية تصويت واضحة، مع أن كوادر عليا في الحزب كانت حذرت بشدة من مفاعيله، وهاجمت الحكومة من أجله. لكن نجاح الحكومة في تمرير هذا القانون، ومن بعده التفويض الصريح الذي حصلت عليه رئيستها في شأن إعادة التفاوض مع بروكسل ــ مقرّ المفوضية الأوروبية ــ على ملف نقطة الحدود الخلفية بين شطرَي إيرلندا، لا يجب أن يدفعا أحداً إلى الاعتقاد بأن العاصفة السياسية التي تعيشها البلاد تتجه إلى الهدوء، أو أن «المحافظين» باتوا يسيطرون تماماً على دفة قيادة سفينة «التايتانيك» البريطانية، وأنهم سيقودونها منفردين إلى برّ الأمان. إذ إن الطبقة العاملة باتت على قناعة بأن النخبة السياسية (يميناً ويساراً) تتلهى بألعاب الديمقراطية الزائفة ونقاشات البرلمان السفسطائية، بينما يخسر «العمّال» من مكتسباتهم القانونية والاجتماعية، وتتهددهم مفاعيل عدم الاتفاق على «بريكست» بأوقات عصيبة سيكونون أول من يدفع ثمنها. وهم لم تبقَ عند أكثريتهم أوهام بأن البرلمان البريطاني بصيغته الحالية قادر على حمايتهم في وجه الحرب الطبقية والعنف البطيء الممنهج الذي تمارسه عليهم السلطة المغرقة في نيوليبراليتها، أو أن الدولة العميقة ستسمح بوصول ذئب اشتراكي بقوة جيريمي كوربن لـ «10 داوننغ ستريت» (مقرّ الحكومة في لندن). من الناحية الأخرى، إن ردود أفعال الفرقاء الأوروبيين بشأن مسألة فتح باب التفاوض في شأن نقطة الحدود الخلفية كانت مبكرة وسريعة وحاسمة في رفض التورط في مفاوضات جديدة بالكامل، ولا سيما أن الاتحاد بات متيقّناً من حتمية خروج بريطانيا القريب من عهدته، وليس يعنيه إغضاب إيرلندا وإسبانيا وغيرهما عبر تقديم أي تنازلات إضافية لماي.
كل ذلك إذاً يجعل من أسبوع ماي السعيد هذا فشلاً حاسماً لسياسة حزب «العمّال»، والمعارضة عموماً، أكثر منه نجاحاً لـ«المحافظين»، مهما انتشت رئيسة الوزراء وأحسّت باستعادة السيطرة على قمرة القيادة من جديد. فالرئيسة، إذ تعود إلى بروكسل بمزيد من المطالبات التي ستواجه على الأغلب حائطاً مسدوداً، تعلم أن موضوع الخروج بلا اتفاق في 29 آذار/ مارس يصبح بشكل متزايد في حكم المؤكد، من دون أن تمتلك الدولة البريطانية الإمكانات والتحضيرات الكافية للتعامل مع نتائجه، وذلك في الوقت الذي تأكد فيه فشل الخيار الاستراتيجي لحزب «العمّال»، بالانتظار السلبي ترقباً لاحتراق حزب «المحافظين» من الداخل نتيجة التناقضات الشخصية العديدة بين أفراده وتباين وجهات نظرهم (المعلنة) حول «بريكست»، وهو خيار مكّن الحزب الحاكم من التشبث بالسلطة، مستنداً إلى أغلبية هشّة لكنها كافية ــ عند توحده ــ، بينما سبّبت خسارات متتالية ومتراكمة للطبقة العاملة.
حزب «العمّال» اليوم بحاجة للخروج من صندوق الديمقراطية البرلمانية المغلق، وفتح آفاق جديدة لمواجهة أشمل مع اليمين تمنح الطبقة العاملة الفرصة لتصحيح مسار الأحداث قبل أن تتفاقم إلى أزمة كبرى، وهو الآن أمر لم يعد خياراً فحسب، بل ضرورة وحتمية تاريخية. لكن المناخ داخل الحزب لا يعطي شعوراً بالثقة لتولّي القيادة من خارج البرلمان، إذ إن الخلافات بين يمين الحزب ويساره، فضلاً عن الخلافات بين دكاكين اليسار داخل الحزب وخارجه، لا يمكن ردمها في وقت قريب، بينما ساعة العد التنازلي لـ«بريكست» تشير إلى أقل من ستين يوماً، وهي فترة ليست كافية لتبني خيارات راديكالية لنقل اللعبة إلى الشارع.
بدون ارتقاء «العمّال» لهذا الدور، فإنهم سيكونون أمام التاريخ والطبقة العاملة مجرّد شركاء سلبيين لحزب «المحافظين» الحاكم، الذي يستمر متفرداً بالسيطرة الأيديولوجية على دفة البلاد، وهي تتجه بثقة عجيبة نحو الكارثة المحتمة.