الرئيس الأميركي قال، لشرح خلفية موقفه من أهمية دعوة فلاديمير بوتين إلى قمة الدول السبع المقبلة في ميامي، إن «كثيرين مقتنعون بأن وجود روسيا داخل الغرفة (اجتماع القمة) أفضل من وجودها خارجها. أنا أعتقد أنها يجب أن تكون موجودة فيها. هل سأدعو بوتين؟ نعم، بالتأكيد سأدعوه». أُخرجت روسيا من المجموعة بعد ضمّها جزيرة القرم عام 2014، ويجزم العديد من المحللين بأن ترامب يريد أن يلغي قراراً أخذه سلفه باراك أوباما، كجزء من سياسة «محو آثار الرئيس السابق» التي ينتهجها. لكن الغاية الرئيسية لهذا التعاطي مع روسيا هي العمل على تنمية العلاقات والمصالح المشتركة معها لتحفيزها على تجنّب الانتقال إلى درجة أعلى من الشراكة مع الصين؛ البناء الأوراسي الذي سينجم عن مبادرة «حزام واحد، طريق واحد،» وحجر زاويته الشراكة بين البلدين، يتطور باطراد. كابوس ألمع المفكرين الاستراتيجيين الأميركيين يتحقق أمام أنظار صناع القرار في واشنطن.
لا تزال الدولة الأميركية العميقة والبيروقراطية الأوروبية تريان أن روسيا هي التهديد الأخطر
النجاح في تحقيق اندماج أوراسيا يعني ببساطة أنها ستضم ثلاثة أرباع سكان العالم وثلثي مقدراته الاقتصادية. أغنى المناطق بالموارد الطبيعية ستكون جزءاً منها، وكذلك تلك التي تتمتع بأعلى مستوى تطور تكنولوجي، وسيتحول هذا الفضاء إلى المركز الأساسي للتجارة العالمية. إحدى أبرز النتائج الناجمة عن تحقق هذا السيناريو المستقبلي هي انحسار الهيمنة الأميركية كلياً عن العالم، الذي تسميه نخب الإمبراطورية المنحدرة «عودة الولايات المتحدة إلى كونها جزيرة معزولة». الانتشار العسكري حول الصين والدخول معها في سباق تسلح والعمل على زعزعة استقرارها بثورات ملونة أو دامية، سياسات تهدف جميعها إلى منعها من المضيّ في مبادرتها المذكورة. الانفتاح الأميركي على روسيا في الآونة الأخيرة يندرج كذلك في إطار هذه السياسات.
في سياق متصل، يأتي استقبال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، للرئيس الروسي في التاسع عشر من الشهر الجاري، في مدينة بريغانسون، ودعوته إلى «هندسة للأمن والثقة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا»، وتأكيده أن «روسيا أوروبية»، وإعلانه عقد قمة رباعية تضم بلاده وروسيا وألمانيا وأوكرانيا لمعالجة الأزمة في الأخيرة، عكست رغبة جلية في توثيق العلاقات بين البلدين. تعرضت مواقف ماكرون لنقد حاد من أوساط سياسية وإعلامية، وهي لا تحظى بتأييد تيار عريض داخل الخارجية الفرنسية «كاره لروسيا» بذرائع كرفض الاستبداد والدفاع عن حقوق الإنسان. بين التفسيرات التي شاعت لتوجهات ماكرون الراهنة تلك التي تفترض أنه يريد تحسين العلاقات مع روسيا باعتبار هذا شرطاً للاستقلالية الاستراتيجية لأوروبا، وتراجع حاجتها لـ«الحماية الأميركية» منها. ربما يكون هذا التفسير دقيقاً، لكن الأكيد أن ماكرون بدوره، المتمسك بمفهوم «الغرب» كانتماء سياسي واستراتيجي وثقافي، ينظر إلى الشراكة الصينية ـــــ الروسية على أنها تحدٍّ استراتيجي لهذا الغرب، وهو يشارك ترامب اقتناعه بضرورة السعي إلى إضعافها بأي ثمن.