أميركا، ومنذ إقدامها على خطوتها المجنونة بداية السنة الجديدة، وضعت نصب عينيها أفغانستان، حيث توجد إحدى أهمّ قواعدها العسكرية، «باغرام»، كساحة محتملة للردّ؛ دلّ على ذلك، خصوصاً، ما ورد على لسان وزير خارجيتها، مايك بومبيو، بعد أيام من استشهاد سليماني ورفاقه، حين شدّد على ضرورة «الانتباه إلى دور إيران في أفغانستان الذي يعيق جهود السلام هناك»، من خلال «علاقتها مع حركة طالبان». تأسيساً على ذلك، وضعت واشنطن قطع هذه العلاقات بين الجانبين شرطاً رئيساً لاستئناف المحادثات وتوقيع اتفاق سلام مع الحركة الأفغانية، في موازاة مطالبتها بوقف كامل وفوري لإطلاق النار يشمل قواتها أولاً، تحت عنوان «خفض كبير» في أعمال العنف بغية إجراء محادثات جادّة تحدّد «مستقبل البلاد»، والإشارة إلى ذلك صدرت عن دونالد ترامب خلال لقائه الرئيس الأفغاني أشرف غني في دافوس الأسبوع الماضي. لكن «طالبان» لن ترضى بأكثر من وقف موقّت لإطلاق النار، لتمرير توقيع اتفاق السلام، وركيزته بدء انسحاب قوات الاحتلال، كمقدمة لوقف شامل للحرب. أمّا حكومة أشرف غني الأميركية التي تخشى مغادرة حلفائها، وتسعى، في كل مناسبة، إلى عرقلة جهود المصالحة في أفغانستان، فكانت أوّل مَن عبّر عن خشيته من استخدام الأراضي الأفغانية في أي صراعات إقليمية، في ظلّ ارتفاع حدّة التوتّر الأميركي ــ الإيراني. وغني نفسه أكّد في اتصال هاتفي مع بومبيو، عقب اغتيال الجنرال الشهيد، عدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية لمصلحة «دولة ثالثة». وزاد من «القلق» الأميركي ــ الأفغاني بيان النعي الذي وصفت فيه الحركة سليماني بـ«المجاهد الكبير»، معتبرةً أن عملية اغتياله جاءت «بطريقة وحشية»، وأنّ «الجهاد ضد القوات الأميركية في أفغانستان سيستمر بقوة».
لم تتفاوض أيّ جهةٍ مع الأميركيين كما تفعل حركة «طالبان»
لم تتفاوض أيّ جهةٍ مع الأميركيين كما تفعل حركة «طالبان»، فهي إذ تواصل مساعيها لمحاولة التوصل إلى اتفاق يُنهي الاحتلال الذي مرّ على وجوده ما يقرب من عقدين، لم توقف تنفيذ عمليّاتها ضدّ المحتلّ، وآخرها إعلان مسؤوليتها عن إسقاط طائرة أميركية في إقليم غزنة شرق البلاد، ومقتل كل من على متنها. وفي تطوّر من شأنه أن تكون له انعكاساته على عملية التفاوض المتواصلة مع الأميركيين في الدوحة، انتقل التصعيد الأفغاني ضدّ القوات الأميركية إلى مستوى آخر، عبر استهداف «طائرة خاصة للمحتلّين الأميركيين تحطّمت في منطقة ديه ياك في ولاية غزنة»، الخاضعة لسيطرة الحركة في شرق أفغانستان. المتحدث باسم «طالبان، ذبيح الله مجاهد، وإذ أكّد مقتل جميع أفراد الطاقم، بمن فيهم ضباط استخبارات رفيعو المستوى من الـ«سي آي إيه» كانوا على متنها، لفت إلى أن الطائرة «كانت تحلّق في مهمّة تجسّس» عندما جرى إسقاطها في حقل تغطيه الثلوج، بعد ظهر يوم أمس، واصفاً الواقعة بـ«التطوّر المهم». واقعةٌ ذكّرت «طالبان» بأنها ليست الأولى، إذ سبقها، في الآونة الأخيرة، إسقاط طائرات ومروحيات تابعة للقوات الأفغانية والأميركية في إقليمَي هلمند في جنوب البلاد، وبلخ في شمالها.
وحتى المساء، اكتفى «البنتاغون» ببيان صادر عن القيادة المركزية «سنتكوم»، أعلن فيه بدء التقصّي في التقارير المتعلّقة بتحطّم الطائرة، من دون أن يذكر تفاصيل في شأن الحادثة. لكن المقاطع المصوّرة التي التقطت من موقع الحادث وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، يبدو أنها أحرجت وزارة الدفاع الأميركية، ذلك أنها كانت لبقايا طائرة من طراز «بومباردييه إي 11 إيه»، التي يستخدمها الجيش الأميركي للمراقبة الإلكترونية في أفغانستان، حيث بدا ذيل الطائرة سليماً وكان يحمل شعار سلاح الجو الأميركي. وأكد البنتاغون، على لسان المتحدث باسم القوات الأميركية في أفغانستان، الكولونيل سوني ليجيت، أنه «يجري التحقيق في أسباب تحطّم الطائرة»، لكنه «لا يوجد ما يشير إلى أن ذلك ناجم عن نيران عدوّة»، مقلّلاً بذلك من أهميّة تبنّي «طالبان» لعملية «تكتيكية» أسقطت طائرة عسكرية قال مسؤولون أميركيون إنها كانت تقلّ أقلّ من عشرة أشخاص.