هكذا، سيكون موقف إسرائيل مشابهاً لموقفها من النزاع الروسي - الأوكراني على منطقة دونيتسك في الشرق الأوكراني، والذي لا يؤيّد هذا الطرف أو ذاك، علناً في الحدّ الأدنى، وإن كان التقدير لدى مُعلّقي وسائل الإعلام العبرية هو الوقوف إلى جانب أرمينيا نسبياً على حساب آذربيجان (يُشار هنا إلى إمكانية تدخّل الرقابة لمنع انفلاش التعليقات على خلفية المصالح الأمنية الإسرائيلية، خصوصاً إذا ما بدأ هذا الطرف أو ذاك يحتسب مواقف المعلّقين تعبيراً عن الموقف الرسمي لتل أبيب).
ستكون تل أبيب معنيّةً بالوقوف إلى جانب ما يحقّق لها مصالحها، ويَشغل أعداءها عنها
لا تتطلّع إسرائيل إلى مصلحة خاصة مباشرة من النزاع الآذربيجاني - الأرميني، بقدر ما تسعى إلى تحفيز المواجهة أو فرملتها، وفقاً لمدى إضرارها بخصوم تل أبيب. على أن للموقف تعقيداته المرتبطة بالعلاقات الإسرائيلية المتشعّبة مع كلّ الأطراف. ترتبط الدولة العبرية بعلاقات جيدة مع روسيا التي تدعم أرمينيا، وفي المقابل علاقات سيئة بل وعدائية مع إيران التي تدعم أرمينيا أيضاً. في المقابل، علاقات تل أبيب بباكو جيدة جداً، لكنها سيئة مع أنقرة التي تدعم آذربيجان. ومن هنا، يبدو أن هدف إسرائيل تحقيق فائدتها من خلال تعزيز العلاقات مع باكو ويريفان، من دون أن يستفيد أعداؤها أو خصومها هناك من ذلك. على أن تل أبيب قد تجد نفسها مضطرة إلى الاختيار، خصوصاً إذا ما اتّسعت تداعيات النزاع، الذي تتأثّر به إسرائيل في أكثر من اتجاه استراتيجي، يتعلّق بغرب آسيا نفسه.
تدرك تل أبيب أن انسحاب الولايات المتحدة من دورها التاريخي المهيمن في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن تقديره للمستقبل غير البعيد، سيؤدي إلى تعزيز قوى إقليمية مثل تركيا وإيران، وأيضاً روسيا التي باتت لاعباً إقليمياً مؤثّراً، بما يتيح لتلك الدول فرصة أكبر لتحقيق مصالحها، ومعظمها يتعارض مع مصالح إسرائيل وأمنها القومي، حتى وإن كانت للأخيرة علاقات جيّدة مع روسيا. وفي هذه النقطة تحديداً، ربّما تتساوى العداوة والخصومة في التأثير السلبي على الكيان العبري، وخاصة في مواضيع تشابك المصالح وتعارضها نسبياً على المديَين المتوسط والبعيد.
من هذا المنظور، يمكن القول إن قوة إسرائيل ونفوذها المبنيَّين على ردع الآخرين، يستندان إلى الحضور الأميركي المباشر، وإلى إيلاء واشنطن الأهمية القصوى لشؤون المنطقة. وهو ما يبدو أنه يتّجه إلى الانحسار لصالح قضايا أخرى بعيدة. ومن هنا، ستكون تل أبيب معنيّةً بالوقوف إلى جانب ما يحقّق لها مصالحها، ويَشغل أعداءها عن الاستعداد لمواجهتها، وأيضاً خصومها (الأصدقاء الروس الحاليين) عن ترتيب شؤون المنطقة.
على هذه الخلفية، تصغر المصالح الإسرائيلية الضيقة جدّاً بالقياس إلى المنظور الأوسع. وهذا يعني، مثلاً، تراجع أهمّية صفقة تسليح إسرائيلية لآذربيجان، وتقلّص المصلحة في التأسيس لعلاقات دبلوماسية واقتصادية أكثر فاعلية مع أرمينيا، مقارنة بفوائد تفادي حرب آذربيجانية - أرمينية ستخدم بشكل أو بآخر مصالح إيران (العدوّة)، وستُحسّن موقعها في القوقاز وعبره، الأمر الذي سينعكس بطبيعة الحال إراحة سياسية وأمنية وكذلك اقتصادية لطهران، وتعزيز نفوذها في ساحات أخرى، من بينها «الساحة» الإسرائيلية في شرق المتوسط. الأمر نفسه ينسحب كذلك على روسيا (حليفة أرمينيا)، التي، إن استفادت من نتيجة الحرب المقبلة ولم تحرف اهتمامها عن المنطقة، ستكون أكثر إقبالاً وتحفّزاً لتركيز حضورها في شرق المتوسط، ما من شأنه أن ينعكس سلباً على إسرائيل، التي ستكون مجبرة على مراعاة المصالح الروسية، ومنها ما يتعارض مع مصالحها.
بالنتيجة، يمكن القول إن الموقف الإسرائيلي مبنيّ على تشابك وتوافق وتعارض وتضادّ مصالح في الوقت نفسه مع أكثر من طرف في النزاع الآذربيجاني - الأرميني، وإن كان من مصلحة إسرائيل، على المستوى الاستراتيجي، أن تقف بشكل أو بآخر، معلَن أو غير معلَن، إلى جانب الآذربيجانيين.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا