يشكّل «حزب العمّال الكردستاني» و«قوّات الحماية الكردية» في سوريا لبّ المشكلة التركية ــ الأميركية
يُذكّر سرتاتش أش، في صحيفة "جمهورييت" المعارضة، بأن تركيا أبطلت صفقة الصواريخ الصينية كرمى لعيون الولايات المتحدة. لكن هذه لم تقابل ذلك بالحسنى، بل شدّدت ضغوطها على أنقرة، فلا تسمح لها بشراء منظومة دفاعية، ولا هي مستعدّة لبيعها صواريخ "باتريوت"، ما أبقى تركيا مكشوفة للتهديدات الخارجية. ويضيف أش إن موسكو لم تقدّم لأنقرة التكنولوجيا التي تريدها، لكنها، على الأقلّ، أبقت بيدها حرية استخدام الصواريخ في الوجهة التي تريدها. ويخلص الكاتب إلى القول إنه إذا أرادت تركيا أن تحمي وجودها ومصيرها، فيجب أن تستكمل، وبسرعة، مشاريعها الصناعية العسكرية المحلية. لكن فهيم طاشتكين في صحيفة "غازيتيه دوار" يرى أن تركيا لن تستطيع استخدام "إس-400"، وأن ثمن الصواريخ البالغ مليارين ونصف مليار دولار قد ذهب هباءً. ويشير إلى أن الطائرات الخمسين من طراز "إف 35" التي لم تُعط لتركيا سوف تباع للإمارات التي ستحلّ محل الأتراك في الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط، محذراً من أن أيّ خطوة تركية إضافية في استخدام "إس-400" من شأنها أن تضاعف العقوبات الأميركية على أنقرة. ويعتقد أن الدفعة الثانية من بطّاريات منظومة الدفاع الروسية قد تأخّر تسليمها ربّما لأن الروس متردّدون في نقل التكنولوجيا المتطوّرة لتركيا. ويرى الكاتب أن الأتراك، في هذه المرحلة، يحاولون أن يجسّوا نبض العلاقات مع "حلف شمالي الأطلسي" واحتمالات تأثّرها. وينهي طاشتكين قائلاً إن المسألة لا تتعلّق بالقرار التركي المستقلّ والسيادي، بل في أن أنقرة تدفع اليوم ثمن الخلاف بين الروس والأميركيين.
من جانبه، يذهب الكاتب تونجا بينغو، في صحيفة "ميللييت"، إلى أن الولايات المتحدة تخشى، عبر نقل التكنولوجيا إلى تركيا، أن تستطيع هذه الأخيرة تطوير صناعاتها وتستقلّ عن الخارج، إذ تريد أن تبقى أنقرة بحاجة مطلقة إلى المساعدات العسكرية، ولو المحدودة، من واشنطن. أما الهدف الأساسي من العقوبات، يضيف، فهو منع حصول تركيا على التكنولوجيا الأميركية، أي أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى حليف قوي، بل إلى حليف يحتاج إليها. وبعبارة أخرى، تفهم واشنطن التحالف على أنه الرضوخ من دون قيد أو شرط لإرادتها. وفي الاتجاه نفسه، يرى رئيس دائرة الاستخبارات السابق في الجيش التركي، إسماعيل حقي بكين، في حوار مع الصحيفة نفسها، أن "أميركا تريد تركيا محتاجة إليها ولا تُغيّر المعادلات الإقليمية. لكن الأخيرة، بصناعتها العسكرية، أصبحت أكثر قوّة، وهذا لا يناسب المخطّطات الأميركية. واشنطن تريد تركيا أضعف بعض الشيء. أي أن تصغي إلى كلمة أميركا وتكتفي بالسلاح الذي تعطيه إياها، أي أن تكون تركيا قوية بعض الشيء لكن غير مؤثّرة. لذا، تمتنع عن إعطائها سفناً حربية أو طائرات إف 35، بحيث يكون هناك توازن بين الدول من دون أن تستطيع دولة ما أن تتفوّق على الدول الأخرى". وعن كيفية مواجهة تركيا للعقوبات الأميركية، يقول بكين إن أنقرة تنتظر إدارة بايدن الجديدة، فإذا استمرّت على السلوك الحالي، يمكنها أن تلجأ إلى تقييد استخدام "حلف شمالي الأطلسي" للقواعد لديها مثل "كوريجيك" و"إينجيرليك"، وكذلك شبك تحالفات إقليمية. لكن قبل اللقاء مع بايدن، "لن تقوم تركيا بأيّ إجراء مضادّ. وعليها الانتظار. بالتأكيد في جعبة الرئيس الأميركي المنتخَب حزمة من العقوبات، لكن في جعبة تركيا حزمة من الإمكانات". ويضيف بكين إن أوراق تركيا قوية ومحقّة، والغرب بحاجة إليها. فالاتحاد الأوروبي، مثلاً، حشَد كلّ قدراته، لكنه لم يتّخذ قراراً بالعقوبات. بإمكان أوروبا أن تفرض عقوبات فقط بعد أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات. فأوروبا تحتاج إلى أن تكون أميركا إلى جانبها: ألمانيا قوية اقتصادياً، لكنها صفر عسكرياً، والدول الأوروبية الأخرى، بما فيها فرنسا، كذلك. بل بإمكان تركيا أن تنسج تحالفاً مع بريطانيا، وأن تشتري قطع غيار من مصادر أخرى، مثل الصين وروسيا، بدلاً من القطع التي تمتنع واشنطن عن بيعها لها.
وبحسب الكاتب في صحيفة "ميللييت"، سامي كوهين، فإن السؤال يدور راهناً حول كيفية مواجهة تركيا العقوبات الأميركية. إذ يرى أن مجمل النقاشات في الداخل التركي تفضي إلى واحدٍ من خيارين: الردّ بالمثل، أو الردّ الناعم. بالنسبة إلى أنصار الردّ بالمثل، فإن ما تفعله الولايات المتحدة، اليوم، لا يختلف عن حظر السلاح الذي فرضته على تركيا في عام 1975، بعد التدخل العسكري في قبرص (1974). حينها، أغلقت أنقرة قاعدة "إينجيرليك" في وجه أميركا لعدّة سنوات، وعليها، اليوم، أن تردّ بحزم انطلاقاً من الحسابات الهادئة لا الانفعال. أما الخيار الآخر، فيقع في إطار الردّ بصورة متوازنة والعمل على حلّ كلّ المشكلات بين الأتراك والأميركيين، وليس فقط مسألة "إس-400". ويمكن القول إن تركيا فوجئت بهذه العقوبات من دونالد ترامب شخصياً، وأصيبت بخيبة أمل كبيرة، لكن العقوبات هذه تُسهّل مهمّة بايدن. إذ إن الرئيس الجديد لن يجد نفسه مضطراً إلى فرض عقوبات جديدة لدى تسلّمه السلطة. وهذا يفتح أمام مرحلة جديدة وبنّاءة من التفاوض بين أنقرة وواشنطن حول كلّ موضوعات الخلاف. وقد أعلنت تركيا، أكثر من مرّة، رغبتها في حلّ المشكلة عن طريق الحوار، وهذا يتطلّب مبادرةً منها تجاه البيت الأبيض والكونغرس والمؤسسات الأميركية الأخرى. لكنه يتطلّب أيضاً أن تدرك الولايات المتحدة أن تغيير السياسات التركية لا يتمّ بفرض عقوبات (يمكن أن تؤدّي إلى ابتعاد أكبر للسياسة التركية عن واشنطن). في هذه الحال فقط، يمكن تسهيل فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا