من تلك الزاوية تحديداً، أدلى كوشنر بتصريحات علنية هي الأولى له منذ ما قبل خروج ترامب من البيت الأبيض، تُعطي مؤشِّراً محتمَلاً حول الكيفية التي سيسعى من خلالها إلى ترسيخ «إرثه وإنجازاته»، وتؤكِّد جملة «ثوابت»، فضلاً عن أنها تُقدِّم بعض النصائح للإدارة الأميركية الجديدة، التي يبدو، بخلاف ترامب، أنه بات يعترف بشرعيّتها. تحتلّ «اتفاقات أبراهام» حيّزاً واسعاً في مقالة كوشنر المقتضبة، وفيها يدعو إلى «البناء على التقدُّم المحرَز في الشرق الأوسط»، والحثّ على إعادة التقارب بين إسرائيل والدول العربية. ويكشف، في هذا الإطار، أن مزيداً من الدول، هي قطر وعُمان وموريتانيا، على وشك الانضمام إلى قافلة المطبّعين، «والأهمّ من ذلك، أن التطبيع بين السعودية وإسرائيل يلوح في الأفق، بعدما وضعت الرياض إصبع قدم في الماء من خلال منح حقوق التحليق فوق أراضيها لإسرائيل، وأخيراً، السماح لفريق سباق إسرائيلي بالمشاركة في رالي داكار«. كشفٌ أعاد رئيس الحكومة الإسرائيلية تأكيده حين قال، يوم أمس، إن أربع دول - لم يسمِّها - ستوقِّع «اتفاقات سلام» مع إسرائيل. وبدا لافتاً أن أيّ نفيٍ لم يصدر عن الدول المذكورة، فيما غابت مقالة كوشنر، أو حتى الإشارة إليها، عن وسائل الإعلام القطرية التي ما فتئت تهاجم أوائل المطبّعين. بالنسبة إلى كوشنر، لا يعدو الصراع القائم، منذ عقود، كونه «نزاعاً عقاريّاً لا يحتاج إلى تعطيل علاقات إسرائيل مع العالم العربي الأوسع، إذ سيتمّ حلّه فى النهاية عندما يتّفق الطرفان على خط حدود»، فيما «نشهد آخر بقايا ما عرف بالصراع العربي - الإسرائيلي. فالعالم العربي لم يَعُد يقاطع الدولة اليهودية، بل يراهن على أنها ستزدهر، وكان أحد أسباب استمرار الصراع العربي - الإسرائيلي لفترة طويلة هو الأسطورة القائلة إنه لا يمكن حلّه إلّا بعد أن يحلّ إسرائيل والفلسطينيون خلافاتهم. لم يكن هذا صحيحاً أبداً». هذا التبسيط ليس صادراً إلّا عن الشخص نفسه الذي قال يوماً إنه «من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط، يجب على الناس ببساطة التوقُّف عن ممارسة الإرهاب». على أيّ حال، لا يتوقّف تبسيط كوشنر للصراع العربي - الإسرائيلي على مسألة «النزاع العقاري»، إذ يُحمِّل مسؤوليته بالكامل لـ»القادة العرب الذين رفضوا قبول قيام دولة إسرائيل، وأمضوا 70 عاماً في تشويه سمعتها واستخدامها لتحويل الانتباه عن أوجه القصور المحليّة. ولكن مع زيارة المزيد من المسلمين لإسرائيل عبر دبي، انتشرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي لليهود والمسلمين يقفون معاً بفخر. والأهمّ من ذلك أن المسلمين ينشرون صوراً لزيارات سلمية للمسجد الأقصى في القدس، وهو ما يفسد الدعاية القائلة إن الموقع المقدّس يتعرّض للهجوم، والإسرائيليين يمنعون المسلمين من الصلاة فيه. في كل مرّة يغرّد فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شيئاً إيجابياً باللغة العربية عن زعيم عربي، فإنه يؤكّد أن إسرائيل تتجذّر من أجل نجاح العالم العربي».
أيّ اتفاق جديد مع إيران يجب أن يتضمّن تفتيشاً نووياً حقيقياً ونهاية لتمويل الميليشيات الأجنبية
إلى جانب «اتفاقات إبراهام»، كان للملفّ الإيراني حصّة وازنة في «مانيفستو» كوشنر المختصر، ابتداءً من الإشادة بانفتاح الإدارة الجديدة على الدبلوماسية مع طهران، والتي أرسى أسسها، كما يزعم، دونالد ترامب، باتباعه سياسة «الضغوط القصوى»، لتحصيل التنازلات المبتغاة من الجمهورية الإسلامية. لكن «إدارة بايدن تمتلك أحدَ الأصول التي لم تكن تمتلكها إدارة ترامب: العلاقات مع إيران. وفي الوقت الذي كان كثيرون منزعجين من عرض فريق بايدن للعمل مع أوروبا وإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، إلّا أن (خداع إيران) خطوة دبلوماسية ذكية، كشفت للأوروبيين أن الاتفاق مات، وأن إطار عمل جديداً فقط هو الذي يمكن أن يحقّق الاستقرار في المستقبل». ويُذكّر بأنه «عندما طلبت إيران مكافأة لمجرّد البدء في المفاوضات، وهو المطالبة برفع العقوبات الأميركية، فعل الرئيس بايدن الشيء الصحيح ورفض». وعلى رغم أنها «تتظاهر بالقوّة، لكن وضعها الاقتصادي مريع، وليس لديها القدرة على استمرار الصراع أو البقاء إلى أجل غير مسمى في ظلّ العقوبات الحالية». من هنا، «يجب على أميركا التحلّي بالصبر، والإصرار على أن أيّ اتفاق (جديد) يجب أن يتضمّن تفتيشاً نووياً حقيقياً، ونهاية لتمويل إيران للميليشيات الأجنبية».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا