تفاوت رؤى في طهران
برزت رؤى مختلفة في إيران حيال التطوّرات التي تشهدها جارتها الشرقية؛ وعلى الرغم من أن السياسة الرسمية للدولة تتمثّل في حماية المصالحة ودفع الحوار بين «طالبان» والحكومة قُدُماً، إلّا أن ثمّة شكوكاً كبيرة في شأن تقيُّد الحركة بالسلام، وقبولها إشراك الأطراف الفاعلين في السلطة، وما إذا كان الحوار المفروض ذا جدوى أساساً. وفي هذا الإطار، تقول سمية مروتي، مديرة «مجموعة دراسات جنوب وشرق آسيا» في «معهد طهران للدراسات والأبحاث الدولية»، لـ«الأخبار»، إن هناك توجّهين في إيران حيال التطورات في أفغانستان. فمن جهة، يدعو البعض إلى تقبُّل «طالبان» والتعاون معها، فيما يعارض آخرون أيّ تعاون مع الحركة، من جهة ثانية. وترى الفئة الأولى، وفق مروتي، أنه «نظراً إلى أن طالبان تشكّل القوة المتفوّقة، أو على الأقل ذات التأثير الأكبر في أفغانستان، وتقيم القوى المختلفة تواصلاً معها، فإنّ طهران، ومن أجل حماية مصالحها وأمنها القومي، لا بدّ أن تقبل بإجراء المحادثات معها»، فيما تذهب الفئة الثانية إلى رفض «الدخول في حوار مع أنصار الإسلام المتطرّف ممَّن جلبوا المعاناة للشعب الأفغاني، وتسبّبوا بأثمان أمنية وسياسية مرتفعة على إيران». وتوضح أن هؤلاء يرَوْن أن الحوار القائم «يؤدّي إلى تقويض الحكومة الأفغانية وزيادة الثقة بالنفس لدى طالبان، والنيل من المصداقية الدولية لإيران». ومع ذلك، تؤكّد الخبيرة في الشؤون الأفغانية، أنه «من الصعب فهْم السياسة الإيرانية تجاه طالبان»، خصوصاً أن «العديد من المؤسّسات الإيرانية تتعاطى مع هذا الملف، كما أن العمل الموازي وغياب سياسة منسجمة واستراتيجية متكاملة، يشكّلان تحدياً أمام سياستنا الخارجية في هذا المجال». وإذ تلفت إلى أن «السياسة الرسمية الإيرانية تتمثّل في دعم الحكومة المركزية»، تقول مروتي إن «الحوار مع طالبان، يفضي إلى إضعاف السياسة المعلنة لإيران».
يدعو البعض في طهران إلى تقبُّل «طالبان» والتعاون معها، فيما يعارض آخرون هذا التوجّه
بناءً على ما تقدّم، تخلص الخبيرة الإيرانية إلى القول إن «الترابط بين المجموعات المتطرّفة في أفغانستان يشكّل أحد أكبر التحدّيات لطهران وللمنطقة»، معتبرة، في الوقت ذاته، أن «انحسار الأزمة في سوريا والعراق، يفضي إلى تحوّل أفغانستان، مرّة أخرى، إلى ملاذٍ للمجموعات الإرهابية».
قلق من العامل الأميركي
في غضون ذلك، تزايدت النقاشات في شأن هدف الحركة ومشروعها النهائي، وما إذا كانت بصدد الإمساك بالسلطة. ويتّجه البعض إلى البحث في العلاقة بين سياسات الولايات المتحدة وتوجّهات «طالبان»، وتأثير ذلك على خصوم واشنطن، وعلى رأسهم طهران. وفي هذا الإطار، يذهب الخبير في الشؤون الأفغانية وشبه القارة الهندية، بير محمد ملازهي، إلى اعتبار «طالبان مجموعة شموليّة مذهبية وعرقية، هدفها النهائي الإمساك بالسلطة بشكل كامل»، مشيراً إلى أن «توجّهاتها الإيديولوجية والشمولية لم تتغيّر، على رغم اعتمادها بعض التغييرات التكتيكية». ويقول ملازهي، لـ«الأخبار»، إنه «يجب تقييم إجراءات طالبان في إطار الاتفاق الموقّع بينها وبين واشنطن»، مضيفاً أن «هذه الإجراءات تُتَّخذ بالتزامن مع انسحاب القوات الأميركية، وبضوء أخضر من واشنطن، لكي تصل طالبان في نهاية المطاف إلى السلطة، ولتمارس بذلك الضغط على منافسي الولايات المتحدة، أي روسيا والصين وإيران». وبحسب الخبير الإيراني، تعمل الحركة، في المرحلة الحالية، على «ممارسة المزيد من الضغوط على الحكومة المركزية، حتى تدفعها إلى القبول بتسلُّم حكومة موقّتة زمام الأمور، تكون لطالبان الأغلبيّة فيها، ومن أبرز مهماتها إجراء الانتخابات». ومن هذا المنطلق، يرى ملازهي أنه «نظراً إلى الخلافات القائمة بين الرئيس الأفغاني، أشرف غني، ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة، عبد الله عبد الله، فمن المرجّح أن تفوز طالبان في الانتخابات». وعندها، يضيف، ستتابع الحركة «هدفها الرئيس المتمثّل في تأسيس إمارة إسلامية». لذا، فإن «مصلحة إيران تقتضي أن تتولّى السلطة في كابول حكومة يترسّخ فيها التوازن العرقي، على أن يحصل نوع من توزيع الأدوار، ويجري تثبيت ذلك في الدستور».