خصوصية السجال المشتعل بين القادة الإسرائيليين أنه يكشف حالة التردّي التي انحدر إليها الكيان
وبالعودة إلى مقالة نتنياهو، فالملاحَظ أنه أشار فيها إلى سلسلة العمليات التي نفّذتها إسرائيل ضدّ البرنامج النووي الإيراني، لكنه لم يستطِع الادّعاء أن هذه العمليات نجحت في إحباط ذلك البرنامج أو كبحه، خاصة أن الواقع كفيل بدحض أيّ محاولة ادّعاء من هذا النوع، بعدما تجاوزت نسبة التخصيب الـ60%، وهو ما استند إليه مكتب بينت في دفاعه. واتّهم نتنياهو، الحكومة الحالية، بأنها تعهّدت بعدم مفاجأة الولايات المتحدة على المستوى العسكري في مواجهة إيران، مع أنه هو نفسه لم يجرؤ على الإقدام على خيارات دراماتيكية كان يهدّد بها قبل التوصّل إلى اتفاق 2015، وبقي سقف تَحرّكه ضمن الإطار الأمني التكتيكي الذي لم يَكُن كفيلاً بإيقاف عجلة التقدّم النووي. وفي أحدث مصداق لما تَقدّم، عمدت إيران، ردّاً على آخر الاعتداءات التي استهدفت إحدى منشآتها الرئيسة في نطنز، إلى رفع مستوى التخصيب إلى 60%، في خطوة تركت تأثيرها على المفاوضات النووية، من دون أيّ رد فعل دولي أو إسرائيلي لردع طهران أو دفعها إلى التراجع. وإذ حاول نتنياهو أن يُقدِّم نفسه على أنه الأقدر على التأثير في الرأي العام الأميركي، مستدلّاً على قدرته المفترضة بخروج الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق، فقد تجاهل أن كلّ الحملات التي شنّها خلال الولاية الثانية للرئيس باراك أوباما، ومن ضمنها كلمته أمام الكونغرس، لم تنفع في الحؤول دون توقيع «خطّة العمل المشتركة الشاملة». كما أن حملاته الأخيرة لم تنفع في ثني إدارة جو بايدن عن مساعيها للعودة إلى الخطّة، بغضّ النظر عمّا سيؤول إليه مسار فيينا. وأمّا بخصوص ترامب، فقد كان بالأساس مُهيّأً للخروج من الاتفاق، وفق ما وعد به في حملته الانتخابية.
خصوصية السجال الذي اشتعل بين القادة الإسرائيليين عبر وسائل الإعلام، أنه يكشف حالة التردّي التي انحدرت إليها إسرائيل، وفي المقابل حضور التحوّل في معادلات القوة في المنطقة لدى مؤسّسات القرار، وأيضاً المسارات المستقبلية لتلك المعادلات. فما دار من تراشق علني بينهم لم يكن خلافاً حول أسلوب أو موقف تكتيكي، أو تباين في الرؤية إزاء التهديد الذي يشكّله البرنامج النووي الإيراني، وإنما حول ما تُجمع عليه كلّ المؤسسات والجهات الرئيسة في إسرائيل، لناحية أولويته في سلّم التهديدات. والأهمّ في هذا السياق أن طرفَي السجال أقرّا بأن الفشل يتهدّد شرط بقاء الكيان العبري في المنطقة، والذي يستند إلى ما يُسمّى «الجدار الحديدي» الذي من دونه لا يستطيع الكيان ضمان وجوده ولا انتزاع اعتراف الآخرين به. والجانب الأكثر دراماتيكية، هنا، أن نتنياهو رأى أن هذا الجدار تَحوّل إلى «جدار من الجصّ مليء بالثقوب»، لكنه ألقى بالمسؤولية في ذلك على حكومة بينت، كما لو أن الأمر ناتج من حصيلة مواقف اتُّخذت خلال أسابيع، لا من صراع مستمرّ منذ عقود. وعلى الخلفية نفسها، أشار غانتس إلى الدور المصيري الذي يلعبه مفهوم «الجدار الحديدي»، لكنه اعتبر أن ثمّة حاجة إلى «جدار حديدي دولي، وبالتأكيد جدار حديدي إسرائيلي، مقابل إيران»، في إقرار مباشر بأن إسرائيل أضعف من أن تقف لوحدها، وأنها تحتاج إلى حماية دولية لها، لكي يتشكّل «الجدار الحديدي» الذي يهدف إلى محاولة إفهام أعداء تل أبيب بأن لا إمكانية للانتصار عليها. وإذا كان التجاذب الداخلي الإسرائيلي، وعلى ألسنة كبار القادة، قد انتقل إلى الركيزة التي يستند إليها وجود إسرائيل، فذلك مؤشّر واضح إلى إدراكهم حجم التحوّلات في معادلات القوة، وخطورة المستقبل الذي ينتظر إسرائيل.