لا يمكن تركيا الوثوق لا بالولايات المتحدة ولا بروسيا، ولا مكان لما يسمَّى بشراكات استراتيجية
وفي «غازيتيه دوار»، يكتب فهيم طاشتكين أن سياسة إردوغان القائمة على الاستقواء بروسيا ضدّ أميركا، وبأميركا ضدّ روسيا، قد انهارت. وعلى رغم عبارات الثناء التي أغدقها الرئيس التركي على نظيره الروسي، إلّا أنه لم يجد مراده في موسكو، ولا حتّى في نيويورك. ولعلّ قِصَر اللقاء بعد سنة ونصف سنة من انقطاعه بين إردوغان وبوتين، وعدم تنظيم أيّ مؤتمر صحافي بعد القمّة، يُعدّان بدورهما مؤشراً إلى أن إردوغان لم ينَلْ من الاجتماع ما كان يسعى إليه. وإذ يُعدِّد طاشتكين مجالات الخلاف بين أنقرة وموسكو، يلفت إلى أن ورقة القوّة التي يلوّح بها إردوغان ضدّ أميركا هي الاستعداد لشراء دفعة ثانية من صواريخ «إس-400»؛ «فهل يطرح ذلك لاسترضاء الروس، أم لتهديد الولايات المتحدة؟». من جهته، ينتقد أحمد طقان في صحيفة «قورقوسز» نهج إروغان في السياسة الخارجية، «فالمهمّ بالنسبة إليه أن يلتقي بايدن أو بوتين، وبعدها لا يهمّ ما هي النتائج». لكن طقان يعتبر أن إردوغان يستخدم العلاقات مع أميركا وروسيا في ابتزاز «حليفتَيه»، وبما يحقِّق له مكاسب شخصية، أهمّها مستقبله السياسي الذي يبدو مستعداً لفعل أيّ شيء للحفاظ عليه. ويلاحظ سادات أرغين بدوره في «حرييت» المؤيدة لحزب «العدالة والتنمية»، كيف أن الرئيس الأميركي عندما رفض لقاء نظيره التركي كان قد أفسح وقتاً ليس قصيراً للقاءٍ مع الرئيس العراقي برهم صالح، ما دفع إردوغان إلى التركيز، بعد عودته من سوتشي، على تعميق التعاون مع روسيا في مجال الصناعات الدفاعية، مثل الحديث عن الدفعة الثانية من صواريخ «إس-400»، والطائرات الحربية، ومحرّكات المقاتلات، وبناء السفن والغواصات. و«في حال انتقلت تركيا فعلاً إلى تنفيذ مثل هذه المشاريع، فإن محرّك تعميق الخلافات التركية - الأميركية سيبدأ بالعمل، وسيوضع قانون العقوبات، كاتسا، موضع التنفيذ». فهل تبقى تركيا، حينها، حليفاً استراتيجياً للغرب؟ بهذه المشاريع والتصوّرات، تضع تركيا، وفق أرغين، قاعدةً أكثر توازناً مع أميركا والغرب.
وفي «ميللييت» المؤيّدة للسلطة، يكتب تونجه بانغين أنه «عشية كلّ قمّة بين بوتين وإردوغان، يتصاعد التوتّر في إدلب. لكن، وفي كل مرّة، ينزع الرجلان فتيل التوتّر، ويتوصّلان إلى اتفاق. وبعد كلّ قمّة، يعلن البلدان عزمهما على تطوير العلاقات الثنائية، في وقت يحذر فيه جيف فليك، المرشّح ليكون سفيراً أميركياً في أنقرة، من أنه في حال شراء تركيا أسلحة روسية، فإنها ستتعرّض لعقوبات أقسى». وإذ يقول إردوغان أن المحادثات مع بوتين كانت «مفيدة ومثمرة»، وأن الوضع في سوريا مرتبط بالعلاقات التركية - الروسية، يتساءل الكاتب ما إن كان على تركيا أن تثق بروسيا، ليجيب: «كلّا. لأن تركيا، وعلى رغم عمليّتَي درع الفرات وغصن الزيتون، قامت بعملية نبع السلام، وأقامت منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً بين تل أبيض ورأس العين بموجب اتفاقَين مع روسيا والولايات المتحدة، وغيّرت المعادلات في المنطقة. لكن بعض المشكلات لا تزال موجودة. فواشنطن تدعم القوات الكردية هناك، وموسكو تعترف بحزب الاتحاد الديموقراطي الذي له مكتب في العاصمة الروسية، كما تعمل على دمج القوات الكردية بالجيش السوري». كذلك الأمر في إدلب، حيث يتّهم بانغين روسيا بأنها «تحرّض الجيش السوري ولا تقول له: توقّف، فضلاً عن أنها تستغلّ الوضع في إدلب لتضغط على تركيا في ليبيا والبحر الأسود وأوكرانيا والمنطقة». وبالتالي، «لا يمكن تركيا الوثوق لا بالولايات المتحدة ولا بروسيا، ولا مكان لما يسمَّى بشراكات استراتيجية، بل يمكن القول إن ما بين روسيا وأميركا تعاون وشراكة ضمنية، لأنهما لا تريدان أن تكون تركيا قوية. لذا، على أنقرة أن تواصل علاقاتها معهما بما ينسجم مع مصالحها الوطنية، وأن تقطعها عند اللزوم»، يقول بانغين.