من المؤكّد أن بكين، لولا تدخّل موسكو، لما سمحت لأيّ طرف بالسيطرة على كازاخستان
ولكن إذا كان الأمر كذلك بالفعل، فلِمَ سمحت موسكو إذاً بحدوث التمرّد؟ لقد اتّبع الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، السياسة الخارجية الرمادية نفسها التي اتّبعها الرئيس الكازاخستاني توكاييف: الحصول على المساعدات والأموال من روسيا، مع قمع الموالين للأخيرة داخلياً، وفي الآن نفسه فتْح الأبواب للقوى الغربيّة للتسرّب إلى البلاد عبر منظّمات المجتمع المدني وبرامج التعاون العسكري المشترك، وبذل الجهد لاستجلاب الاستثمارات من أوروبا والولايات المتّحدة. لكن عندما حانت لحظة الإطاحة بلوكاشينكو، وجد الأخير أن ليس لديه من خيار آخر على الإطلاق سوى اللجوء إلى روسيا طلباً للمساعدة. ولا شكّ في أن موسكو كانت ملتزمة بإفشال محاولات الاختراق الأميركية لمجالها الحيوي، لكنها قامت بذلك فقط بعد أن تخلّى لوكاشينكو كلّياً عن سلوكه الرمادي، لتبدأ خطوات فعلية نحو تقارب وثيق بين البلدَين. استراتيجياً، كازاخستان ربّما تكون أكثر خطورة على الأمن القومي الروسي من بيلاروسيا، إذ تمتدّ حدود غير محصنّة بينهما لـ7600 كيلومتر، ناهيك عن التوتّرات العرقية بين الكازاخستانيين والأقلّية الروسية، وتاريخ طويل من العلاقات الأمنية العميقة مع موسكو. ولذا، كان المؤكد أن بوتين لن يسمح بأيّ حال بسقوط كازاخستان، ولكنه كان ينتظر لحظة تيقّن توكاييف من أن مصيره يعتمد على روسيا، تماماً كما في السيناريو البيلاروسي، وقَبله السيناريو الأرميني أيضاً.
في حسابات الربح والخسارة، فإن لعبة كازاخستان انتهت إلى انتصار تامّ لروسيا، التي أوصلت رسالة إلى جميع مَن يعنيهم الأمر بأن أيّ عبث في محيطها الحيوي سيكون ثمنه باهظاً، وهي رسالة سوف يتردّد صداها في جميع أنحاء آسيا الوسطى. في الجوار القريب، كانت الصين تراقب الأمور عن كثب، وتُراكم الخبرات، وهي التي تتحضّر منذ بعض الوقت للتعامُل مع محاولات الاختراق الأميركية. ومن المؤكد أن بكين، لولا تدخّل موسكو، لما سمحت لأيّ طرف بالسيطرة على كازاخستان. وإذا كان الصينيّون لم يستعرضوا عضلاتهم العسكريّة هذه المرّة، فإن عضلاتهم الاقتصادية ستدعم الآن الوضع الجديد وتكرّسه. وسيكون طبيعياً أن ينعكس ذلك على شكل تنسيق أوسع بين بكين وموسكو عبر الإقليم.