وإذا كان السؤال يتركّز خصوصاً حول السبب الذي يدفع بلداً بحجم الصين إلى توقيع اتفاق أمني مع بلدٍ تبلغ مساحته 28 ألف كيلومتر مربّع يعيش عليها 800 ألف نسمة، ولَم يسمع به ــــ ربّما ــــ مليارات البشر، فإن الإعلان عن الاتفاق في ظلّ انشغال الولايات المتحدة وحلفائها في «الناتو» بالحرب الروسية ــــ الأوكرانية، هزّ أركان «ديموقراطية» جزر سليمان، ومعها استقرار منطقة آسيا ــــ المحيط الهادئ التي تريدها أميركا، كما تقول «عقيدة بايدن»، «حرّة ومفتوحة»، لاستكمال سياسة «الاستدارة نحو آسيا» في الميادين الاستراتيجية ــــ العسكرية والاقتصادية التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ومتّن أركانها الرئيس السابق دونالد ترامب، وسط ارتفاع حدّة المجابهة بين القوّتين في عهده. على أن «تطمينات» رئيس وزراء جُزر سليمان، ماناسيه سوغافاري، إلى أن الاتفاق «لن يؤثر سلباً أو يقوّض السلام والوئام في المنطقة»، لم تُفلح في الحدّ من قلق الحليفتَين الأميركية والأوسترالية، المعترضتَين، خصوصاً، على سريّة الوثيقة، التي تضمن، بحسب ما أوردت صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه في حال تعرُّض مشروعات بكين الكبرى ــــ وأهمها مبادرة «الحزام والطريق» ــــ لمشكلات «يمكن الصين اللجوء إلى مبدأ استخدام القوّة العسكرية، لحماية وجودها الاقتصادي والطرق والسكك الحديدية والموانئ التي تشكِّل البنية التحتية» لمبادرتها. حتى الآن، اكتفت الولايات المتحدة بالتحذير من أنها «ستردّ» في حال أقدمت الصين على إقامة قاعدة عسكرية في هذا البلد، ولا سيما أن الاتفاق الموقَّع «قد تكون له تداعيات أمنية إقليمية» على واشنطن وحلفائها، وفق ما جاء على لسان وفد أميركي رفيع المستوى زار جُزر سليمان في أعقاب إبرام الاتفاق، فيما يعتقد «البنتاغون» أن توقيع اتفاق من هذا النوع «يمكن أن يؤدّي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار داخل هونيارا، وأن يشكّل سابقة مقلقة لمنطقة جزر المحيط الهادئ برمتها».
تدلّل إشارات الولايات المتحدة على محورية الصين في سياستها الخارجية
ويندرج الاتفاق، وفق ما تقول واشنطن، في إطار توسيع النفوذ الصيني والانتشار الاستراتيجي لبكين في منطقة المحيط الهادئ والطرق التجارية، ولا سيما بعدما عزّزت بكين علاقاتها الاقتصادية، بإشراك جزر سليمان (بدّلت موقفها من تايوان في عام 2019)، في مبادرة «الحزام والطريق»، ووعدت ببناء ملعب بملايين الدولارات في البلاد قبل دورة ألعاب المحيط الهادئ العام المقبل. حتى إن الشركات الصينية باتت تهيمن تقريباً على كل قطاعات اقتصاد جزر سليمان، بدءاً من استخراج الموارد الطبيعية، إلى تجارة التجزئة وزيادة المساعدة المقدَّمة إلى حكومة هذا البلد.
على رغم انشغالها بالحرب الدائرة في أوكرانيا، تدلّل إشارات الولايات المتحدة على محورية الصين في سياستها الخارجية، وهو ما تبدّى في استفزازاتها المتزايدة في ما يتّصل بملفّ تايوان، تساوقاً مع ضغطها على الصين لالتزام سياسة النأي بالنفس تجاه موسكو، وتهديدها بالعقوبات إذا فعلت عكس ذلك. في هذا الوقت، تحشد تايوان ما أمكنها من قوّة في انتظار اليوم الذي سيلي «استعادتها بالقوّة إذا لَزِم الأمر»، كما يؤكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ.