كولومبيا «قوّة دولية للحياة»
إضافة إلى دورها الوظيفي في إطار استراتيجية واشنطن في جنوب القارة، اعتمدت الطبقات الحاكمة في كولومبيا، والتي تنحدر في معظمها من عائلات المستوطنين الأوروبيين، نموذجاً يدمج بين «النمط التنموي الاستخراجي»، أي استخراج ثروات باطن الأرض أساساً، وكذلك المنتجات الزراعية، لبيعها في الأسواق العالمية، والاستخدام المنهجي للعنف لإدارة العلاقات الاجتماعية مع الطبقات الشعبية. استمرّ أبناء المستوطنين البيض، على خُطى آبائهم، في نهب ثروات البلاد، كالنفط والفحم، أي نصف صادراتها، والذهب والبن والموز والنخيل والأزهار، والاستيلاء على أراضي الفلاحين الفقراء والسكّان الأصليين لهذه الغاية، وفرض صيرورة قطاعات عظيمة من هؤلاء أيدياً عاملة رخيصة. بكلام آخر، نحن أمام ديمومة لنموذج التقسيم الاستعماري للعمل، والذي تخصّصت في إطاره المستعمرات وأشباه المستعمرات في تأمين حاجات المراكز الإمبريالية من المواد الخام والعمالة الرخيصة. وبطبيعة الحال، فإن هذه الديمومة التي استندت إلى العنف المُمأسس والواسع النطاق بحقّ الطبقات الشعبية، خلقت حالة حرب حقيقية، تكفي للاطّلاع على تفاصيلها مراجعة تاريخ كولومبيا طوال القرن العشرين وحتى الآن.
إنهاء دور كولومبيا في عمليات زعزعة استقرار فنزويلا هو من بين التوجّهات الثابتة لـ«العقد التاريخي»
اليوم، يسعى حزب «العَقد التاريخي» للقطيعة مع هذا النموذج ونتائجه الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الكارثية بالنسبة إلى غالبية الشعب. بين أولويات برنامجه، نجد إصلاح القوات المسلّحة وأجهزة الشرطة، الأداة القسرية للطبقات الحاكمة، وحلّ تلك المكلّفة بالقمع، ومكافحة الفساد في مؤسّسات الدولة، وإنشاء وزارة خاصة بالمساواة، وبلورة سياسات اجتماعية، ودعم الاقتصاد الشعبي والسيادة الغذائية، وتطبيق اتفاق السلام مع الحركات المسلّحة اليسارية، وإقرار «عقد اجتماعي جديد للحياة الجيّدة»، والحفاظ على البيئة والانتقال التدريجي من الاقتصاد الاستخراجي إلى اقتصاد متنوّع وإنتاجي. ومن نافل القول أن الطبقات الحاكمة، سليلة المستعمرين، ورعاتها في واشنطن سيعملون بشتّى السبل للتصدّي لهذا البرنامج وإفشاله، وخاصة أنه يتضمّن بُعداً إقليمياً ودولياً يتناقض مع مصالحهم ورؤاهم جذرياً.
الاندماج الإقليمي وتنويع الشراكات
إنهاء دور كولومبيا في عمليات زعزعة استقرار فنزويلا، وتطبيع العلاقات معها، هما من بين التوجّهات الثابتة لـ«العَقد التاريخي» ضمن رؤية تهدف إلى رفع العقبات أمام اندماج قاري أكبر بين بلدان أميركا اللاتينية. قيادة هذا الحزب ترى أن نجاحه في ترجمة برنامجه، منوط بتحقيق هكذا اندماج وإقامة فضاء اقتصادي إقليمي يتيح تطويراً للصناعة، وإعادة النظر في اتفاقيات التجارة الحرّة مع الولايات المتحدة، وأخذ أجندة دول القارة الخاصة بمكافحة الفقر والفوارق الاجتماعية والتغيّر المناخي في الحسبان.
ستصطدم هذه الأهداف الطموحة بمقاومة ضارية من قِبَل الولايات المتحدة وحلفائها المحلّيين، وستكون القدرة على إنجازها وثيقة الصلة بإمكانية بناء ميزان قوى مؤاتٍ لذلك من قِبَل الحزب. الاعتماد على الدرجة العالية من التعبئة الذي أظهرته الحركات الاجتماعية في السنوات الماضية، والاستفادة من البيئة الإقليمية المتحوّلة عبر التنسيق والتعاون مع الحكومات اليسارية المستقلّة، وتوظيف الاستقطاب الدولي المتنامي بين الصين روسيا من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، هي من بين الخيارات المتاحة أمام قيادة «العَقد التاريخي» لتعديل موازين القوى لصالحه، وفتح آفاق جديدة أمام شعوب أميركا اللاتينية وبقيّة شعوب جنوب العالم.