لا الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة لديها الحلّ لمشكلات هايتي السياسية
على أن إدارة بايدن لا تُظهر أيّ إشارة في هذا الاتّجاه، وهو ما بدا واضحاً خلال جلسة مجلس الأمن التي عُقدت الأسبوع الماضي، حيث صوّتت الولايات المتحدة وحلفاؤها على دعم القرار القاضي بإرسال قوّات أجنبية إلى هايتي، فيما حذّرت روسيا والصين من الإقدام على هكذا خطوة. كذلك، وافق مجلس الأمن الدولي، بالإجماع، على تجميد أصول زعيم تحالف العصابات الأبرز، المعروف باسم «G9»، جيمي شيريزير، بعدما حاصر التحالف الذي يقوده، في أيلول الماضي، محطّة الوقود الاستراتيجية «فارو»، متسبّباً بإغلاق المستشفيات، وتوقّف معظم وسائل النقل، فضلاً عن شحّ السلع الأساسية، بما فيها المياه النظيفة. ويجري الحديث عن احتواء هايتي ما لا يقلّ عن 200 عصابة، معظمها تنشط في العاصمة «بورت أو برنس»، حيث أقامت معاقلها تاريخياً في الأحياء الفقيرة المكتظّة هناك، لِما تتمتّع به هذه الأخيرة من قيمة سياسية بسبب عدد سكّانها الكبير، من جهة، ولسهولة الإفلات من أيدي قوات الأمن فيها، من جهة أخرى. وعلى مدى الـ25 سنة الماضية، لم تستطع الشرطة الهايتية فعل شيء حيال تلك الظاهرة، لأسباب عدّة من بينها ضعف جهوزيتها، وعزوف السكّان عن الانخراط فيها لرواتبها المنخفضة، فضلاً عن وجود نسبة لا بأس بها من الضبّاط المرتبطين بشكل مباشر أو غير مباشر بالمجرمين.
وعلى رغم فداحة ما تقوم به، «ييدو أنه لا يمكن كبح نموّ العصابات حالياً، وذلك بسبب فشل السياسيين في تشكيل حكومة شرعية منذ اغتيال مويس»، وفق ما يقدّر تقرير لـ«مجموعة الأزمات الدولية» صدر في شهر تموز الماضي. وبحسب التقرير، فإن السياسيين ونُخبة رجال الأعمال في هايتي «اعتمدوا تاريخياً على العصابات للوصول إلى السلطة، لكن المجرمين أصبحوا أكثر استقلالية في السنوات الأخيرة»، فضلاً عن أن «هذه الصلات لم تَعُد مبنيّة على الاعتبارات السياسية فقط بل تجاوزت ذلك إلى علاقات منافعية»، وهو ما يتجلّى بوضوح من خلال استخدام النُخب عنف العصابات لقمع المعارضة السياسية وتأمين الاحتكارات الاقتصادية، في مقابل استخدام الأخيرة علاقاتها مع الأولى لتأمين التمويل والأسلحة والذخيرة، والإفلات من العقاب. أمّا بالنسبة إلى رئيس الوزراء بالوكالة، الذي ازدهر في عهده عمل العصابات على نحو غير مسبوق، فيَلفت التقرير إلى أنه على الرغم من الدعم الدولي له، إلّا أن «الكثير من الهايتيين يرون فيه استمراراً لنظام راسخ من الفساد السياسي»، فيما يصفه بعض المراقبين اللاتينيين بأنه «خادم موثوق للمصالح الإمبريالية في هايتي»، خصوصاً بالنظر إلى خدمته كرئيس في ما يسمّى «مجلس الحكماء»، وهو هيئة شكّلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها لإضفاء الشرعية على الانقلاب الذي أطاح الرئيس جان برتران أريستيد عام 2004.