على أن الأهمّ بالنسبة إلى الرئيسَين، كان الإشارة الواضحة إلى عالم متعدّد الأقطاب؛ إذ أكد بوتين أن «روسيا والصين تعارضان بشدّة أيّ دول أو تكتّلات تضرّ بمصالح الدول الأخرى»، في حين جزم شي أن البلدَين «يبنيان عالماً متعدّد الأقطاب»، وأنهما «سيسهمان في انتعاش الاقتصاد العالمي في فترة ما بعد الجائحة، وبناء القوّة البنّاءة في تشكيل عالم متعدّد الأقطاب، وتحسين نظام الحوكمة العالمية، وتقديم مساهمة أكبر في الأمن الغذائي العالمي، وأمن الطاقة، والاستمرارية لسلاسل التوريد». وكان الرئيسان الصيني والروسي حدّدا سابقاً، في قمّة بكين، توجّهات بلديهما على المستوى العالمي، والتي عبّرت عنها الوثيقة المشتركة الموقّعة بينهما بعنوان «الإعلان المشترك بخصوص دخول العلاقات الدولية عهداً جديداً والتنمية المستدامة»، وفيها ركّزا على دخول العالم مرحلة جديدة في العلاقات الدولية، أساسها عالم جديد متعدّد الأقطاب، ليأتي من بعدها الدخول الروسي إلى أوكرانيا، ويصبح هذا النهج أساساً في أدبيات البلدَين السياسية في التعامل مع الأحداث العالمية.
تكشف الأرقام المسجّلة أن حجم التجارة بين البلدَين يتزايد للعام الثاني على التوالي
في المقابل، تكفي الإشارة إلى التصريحات الأميركية المهاجمة لزيارة شي إلى موسكو، لتوضيح حالة انزعاج واشنطن من عملية التقارب الجارية بين البلدَين، والتي ترى إدارة الرئيس جو بايدن أنها «تشي برغبة موسكو وبكين في تحدّي الولايات المتحدة والتخلُّص من النظام العالمي»، وفق تعبير منسّق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي. وفيما وصف كيربي العلاقات الروسية - الصينية بأنها تشبه «زواج المصلحة»، لفت إلى أن قادة الدولتَين ينظران إلى بعضهما البعض على أنهما «حلفاء محتملون في القتال ضدّ واشنطن».
وعلى المستوى الاقتصادي، تكشف الأرقام المسجّلة أن حجم التجارة بين البلدَين يتزايد للعام الثاني على التوالي. وبعدما وصل حجم التبادل التجاري بينهما، في عام 2022، إلى أكثر من 185 مليار دولار، بيّنت بيانات الجمارك الصينية أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين في الشهرَين الأوّلَين من العام الجاري، بلغ 33.685 مليار دولار. وفي الشهرَين الماضيَين، صدّرت الصين بضائع إلى روسيا بقيمة 15.036 مليار دولار، بزيادة قدرها 19.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فيما زادت الشحنات من موسكو إلى بكين بنسبة 31.3% لتصل إلى 18.648 مليار دولار، بحسب بيانات الجمارك الصينية، ما يعني أن كفّة الميزان التجاري راجحة لمصلحة روسيا. وزادت الصين، في كانون الثاني وشباط، حجم واردات الفحم من روسيا بنسبة 70.8% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022. وخلال الشهر الأول أيضاً، أصبحت روسيا الدولة الأولى في إمدادات الغاز الطبيعي إلى الصين، حيث زادت الحجم إلى 2.7 مليار متر مكعب، لتتجاوز موسكو بهامش واسع الموردَين الرئيسَين الآخرين، تركمانستان وقطر (2.2 مليار متر مكعب لكلّ منهما). وهذا الأمر قابل للتطوّر أكثر، لا سيما وأن البلدَين وضعا الخطط اللازمة لبناء خطّ أنابيب الغاز «قوّة سيبيريا 2»، والذي سيسمح لموسكو بالتعافي الكامل من خسارة السوق الأوروبية.
لا لـ«الديموقراطية الأعلى»
تضمّن البيان الروسي - الصيني المشترك، إشارة واضحة إلى أن «الشراكة الشاملة والتفاعل الاستراتيجي، يدخلان عصراً جديداً، بفعل الجهود المستمرّة، والتي أوصلت العلاقات التي تواصل التطوّر، إلى أعلى مستوياتها التاريخية»، موضحاً في الوقت نفسه أن هذه العلاقات «ليست تحالفاً عسكرياً»، وأنها «ليست موجّهة ضدّ دول أخرى»، علماً أن روسيا والصين دعتا «الناتو» إلى «احترام سيادة الدول الأخرى ومصالحها»، وأكدتا أنهما «تعارضان التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية» للدول. وشدد البيان على أن «محاولة استبدال مبادئ القانون الدولي وقواعده المعترَف بها بشكل عام، أمر غير مقبول»، مشيراً إلى معارضة موسكو وبكين «فرْض دولة واحدة لِقِيَمها على دول أخرى»، لأنه ما من شيء يسمّى «ديموقراطية أعلى». وشدّد أيضاً على أن البلَدين يعارضان «سياسة القوّة، والتفكير في الحرب الباردة، والمواجهة بين المعسكرَين (الغربي والشرقي)».