وبالفعل، سارع أوربان إلى الترحيب بغريمه القديم، قائلاً: «أتعرفون مَن عاد؟ تهانينا لروبرت فيكو على فوزه الذي لا جدال فيه في الانتخابات البرلمانية السلوفاكية. من الجيّد دائماً العمل مع شخصيّة وطنية مثله، ونحن نتطلّع قُدُماً إلى ذلك». وتجاوز فيكو، في الأشهر القليلة الماضية، خلافات سابقة مع أوربان، حول التقييمات القوميّة المتباينة في شأن تاريخ سلوفاكيا ضمن الإمبراطورية المجرية، وموقع الأقلية المجرية الكبيرة في المجتمع السلوفاكي، وأصبحت العلاقات بينهما - على ما يقول المراقبون - أوثق بكثير بعدما تقصّد كلّ منهما الإعراب علناً عن احترامه للآخر. ومن المتوقّع الآن أن يشدّ أوربان عضده بفيكو خلال المداولات في الاتحاد الأوروبي و«الأطلسي»، ولا سيما في ما يتعلّق بالموقف من الحرب الأوكرانية، والسياسات الاقتصادية، وأيضاً قضايا حقوق الإنسان الخلافية. وكان فيكو من المعارضين لمبدأ فرض عقوبات على روسيا، واعتبر أن انخراط بلاده في الحلف الأميركي لدعم نظام كييف «يقوّض السيادة الوطنية». ولا شكّ في أن ما يجري يريح موسكو، وهي ترى مساحة التصدّعات تتزايد في قلْب أوروبا.
عودة فيكو إلى المسرح السياسي، تعكس تراجعاً ملموساً في الدعم الشعبي الأوروبي لأوكرانيا
وتمثّل نتيجة الانتخابات قيامة سياسية للزعيم الشعبوي فيكو، الذي لا يزال متورّطاً في العديد من قضايا الفساد، ونجا، العام الماضي، من محاولة لرفع الحصانة البرلمانية عنه، بعدما كان أُجبر على الاستقالة من منصب رئيس الوزراء في عام 2018، وسط احتجاجات حاشدة على خلفية مقتل صحافي كشف عن تورّط مقرّبين من رئيس الوزراء السابق في علاقات مع مافيا إيطالية. ويحتاج فيكو، الآن، إلى إيجاد عدد كافٍ من الحلفاء من بين فسيفساء الأحزاب السياسية السبعة الصغيرة التي نجحت في الحصول على مقاعد، ولا سيما بعدما فشل حزب «الجمهورية» اليميني المتطرّف - الذي يُنظر إليه على أنه شريك طبيعي لـ«الاتجاه» - في تجاوز عتبة الـ5% الضرورية للتمثّل في البرلمان، على الرغم من أن استطلاعات الرأي أعطته دائماً حصّة بحدود الـ10%. ويمكن أن يلعب رئيس وزراء سابق آخر، هو بيتر بيليغريني، دور صانع الملوك في تشكيل الحكومة، بعدما حصل حزبه، «هيلاس»، على المرتبة الثالثة، بنسبة أقل قليلاً من 15%. وكان بيليغريني عضواً في حزب فيكو، وخلفه بعد فضيحة عام 2018، لكنّه ما لبث أن انشقّ عنه، وشكّل حزباً جديداً.
وفي حال أصلح فيكو علاقته مع بيليغريني (على الأغلب، سيعرض عليه منصب رئيس الهيئة التشريعية)، ووافق «الحزب الوطني السلوفاكي القومي» الموالي لروسيا، على الدخول في الائتلاف، فستكون للأحزاب الثلاثة أغلبية ضئيلة من 79 مقعداً في البرلمان المؤلّف من 150 مقعداً، لكنّها كافية لحكم البلاد. ومن شأن حكومة يقودها فيكو أن تكون بمثابة تحوّل آخر في وسط أوروبا ضدّ توجهات بروكسل، وهو ما سيتعزّز حكماً إذا فاز «حزب القانون والعدالة» المحافظ في الانتخابات في بولندا في وقت لاحق من هذا الشهر. ومع ذلك، لا يزال من المبكر حسم اتجاهات الأمور، ولا سيما أن المشاورات قد تمتدّ لعدّة أسابيع قبل نضوج شكل الائتلاف النهائي. إلّا أن الغربيين يراهنون على احتمال أن يفشل فيكو في استمالة زعيم حزب «هيلاس» الذي لا يشارك «الاتجاه» المواقف المناهضة لنظام كييف، ويمكنه نظريّاً أن يتحالف مع الاشتراكيين والليبراليين والأحزاب الوسطيّة (حزب «تحالف أولانو»، و«الديموقراطيون المسيحيون»)، لتشكيل ائتلاف بديل. وعكست تصريحات شيميتشكا، زعيم «الليبرالي» وأحد نواب رئيس البرلمان الأوروبي، هذه الاحتمالية، إذ قال، في تصريحات، إن نتيجة الانتخابات «أخبار سيئة للغاية بالنسبة إلى سلوفاكيا، وستكون أخباراً أسوأ إذا نجح روبرت فيكو في تشكيل حكومة»، مستدركاً بأنه «لا يزال يرى فرصة لتشكيل ائتلاف تقدّمي حاكم».
وعلى أيّ حال، فإن عودة فيكو إلى المسرح السياسي، تعكس تراجعاً ملموساً في الدعم الشعبي الأوروبي لأوكرانيا، ولا سيما في وسط القارّة، إذ تسبّبت بتعميق الاستقطاب الشعبي بين كتلتَين متساويتَين تقريباً في سلوفاكيا: إحداهما محافِظة قوميّة، أقرب ثقافيّاً إلى روسيا؛ وأخرى ليبرالية متحرّرة، يَغلب عليها الجيل الجديد، وتتماهى مع الغرب اقتصادياً وثقافيّاً، وتتموضع استراتيجيّاً في إطار «الناتو». وبصرف النظر عمّا إذا حَكَم فيكو أو بقي زعيماً للمعارضة، فإن بروكسل وواشنطن ستكونان مرغمتَين على محاولة كسْب ودّه.