رعاية أميركا للمعارضين السعوديين تأتي ضمن سياسة قديمة تسمح لها بالاحتفاظ بخيارات مختلفة تحسباً لتغييرات مفاجئة
رعاية أميركا للمعارضين السعوديين تأتي ضمن سياسة قديمة تسمح لها بالاحتفاظ بخيارات مختلفة تحسباً لتغييرات مفاجئة. ماذا، مثلاً، لو حصل «ربيع عربي» آخر أو خليجي بعد عشرة أو عشرين عاماً نتيجة تراكم ظروف لا يمكن توقّعها الآن؟ عندها تكون لدى واشنطن ورقة جاهزة للاستخدام، ولا سيما أن قرب آباء وأشقاء هؤلاء المعارضين من «الإخوان المسلمين» يمنحهم شرعية شعبية. والعلاقة بين واشنطن وأطراف من «الإخوان» لا زالت قوية منذ أن دعمت وصولهم إلى السلطة في أكثر من بلد عربي خلال «الربيع العربي». صحيح أن هؤلاء المعارضين معادون لإسرائيل؛ وفي أحداث مثل حرب غزة، يرفعون أصواتهم أكثر ضدها، كما لا يتردّدون في الجهر بتأييدهم لحركة «حماس»، إلا أن واشنطن لا تبدو معنية بذلك، طالما أنهم ليسوا في السلطة. وربما تكون تجربتها في تحييد عامل العداء لإسرائيل بعد وصول «الإخوان» إلى الحكم في مصر وتونس، هي النمط الذي تسير عليه في مثل هذه الحالات. لا بل إن واشنطن قد تحبّذ أن تكون لهؤلاء شرعية شعبية من خلال العداء لإسرائيل.
قد لا يكون ضرورياً لأميركا أن تحتفظ بورقة المعارضة السعودية لاستخدامها لتغيير النظام، والأخيرة لا تطالب أصلاً بتغييره، وإنما بإصلاحات وحرّيات، وخصوصاً بإلغاء العقوبات القاسية ضد حرية التعبير. لكنها قد تستخدمها لابتزاز النظام نفسه والحصول على تنازلات منه، من نوع منعه من التلاعب بأسعار النفط، كما حصل في فترات الخلاف بين الرياض وواشنطن، أو لدفعه إلى التطبيع مع إسرائيل. والواقع أن الولايات المتحدة، وقبلها بريطانيا، لم تكفّ يوماً عن استخدام الإسلام السياسي، بدءاً من تمكين الوهابية، بهدف أساسي هو إحداث انقسام بين المسلمين، عبر فتاوى التكفير، ثم الاستثمار الذي استفادت منه كثيراً في أفغانستان خلال «الجهاد» تحت عنوان محاربة الإلحاد الشيوعي، وصولاً إلى محاولة استغلال «الإخوان المسلمين» خلال «الربيع العربي» ليكونوا بديلاً مقبولاً من شعوب هذه المنطقة التي عانت طويلاً من أنظمة الاستبداد.
قبل سنوات قليلة، تحدّث وزير الخارجية العماني السابق، يوسف بن علوي، عن ربيع خليجي آت. هو لم يأت حتى الآن، لكن أنظمة الحكم في الخليج، والتي نجحت خلال العقد الماضي في تجديد شبابها من حيث تغيير الأشخاص، لا زالت تحتاج إلى إصلاحات عميقة. وحتى لو لم يتم تغيير الأنظمة، فإن التطوير نفسه يحتاج إلى قوة دفع داخلية للإصلاح، ثم المشاركة في الحياة السياسية بعده. والأكثر أماناً بالنسبة إلى الأميركيين، هو الاستبدال بقوة أقل قمعاً وأكثر إصلاحاً مثل بعض نُسخ الإسلاميين، بدلاً من أن يؤدي تراكم مشكلات الحكم إلى فتح الأبواب لتغيير ديموقراطي لا تريده أميركا لهذه المنطقة، مع أنها تزعم العكس.